بقلم: واصف عواضة
لو كان الكاتب العربي الكبير الراحل محمد حسنين هيكل حيّا، فما عساه كان يقول في انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة الأميركية، بعد الأوصاف التي أسبغت عليه خلال الحملة الانتخابية؟
في كتابه الصادر في العام 1985 بعنوان «زيارة جديدة للتاريخ»، يخصص هيكل فصلا عن الولايات المتحدة الأميركية، يتناول فيه بعض الرؤساء الاميركيين الذين توالوا على السلطة، فيسأل بشيء من الاستغراب والسخرية: هل يمكن أن يكون القرار الأميركي في يد شخص من هؤلاء:
ـ ليندون جونسون الذي كان يخلع سترته ويرفع قميصه وملابسه الداخلية لكي يتمكن الصحافيون والمصورون من مشاهدة أثر جرح لعملية أزالوا فيها مرارته؟
ـ ريتشارد نيكسون الذي ظهر على حقيقته من تسجيلاته لنفسه في ما عرف بـ«فضيحة ووترغيت»، فظهر بما لا يفرقه عن أحد أعضاء عصابة المافيا؟
ـ جيرالد فورد الذي كان جونسون يقول عنه إنه لا يستطيع أن يفعل شيئين في الوقت نفسه، فلا يمكنه أن يمضغ العلكة ويلعب الكرة في آن واحد؟
ـ جيمي كارتر الذي لم يكن أحد يعرفه لدرجة أن الرأي العام الأميركي كان يعرفه بتعبير «جيمي من»؟.
ـ رونالد ريغان الممثل من الدرجة الثانية في هوليوود، وهل يعقل أن تكون أزرار الحرب النووية تحت أصابعه، لدرجة أن الناس كانوا يتندرون بأن أميركا لم تجد من يمثلها فجاءت بممثل محترف يمثلها؟
لم يتحدث هيكل في الكتاب عن بيل كلينتون وجورج بوش الابن ومآثرهما، لأن الكتاب صدر قبل ولايتهما. ولو كان على قيد الحياة اليوم لكان أتحفنا بمآثر دونالد ترامب، بما يشكل مادة دسمة للبرامج والمسرحيات الهزلية.
بالتأكيد ليس هؤلاء من يحكم ويتحكم بقرارات دولة عظمى كالولايات المتحدة الأميركية. وقد شهد التاريخ الأميركي قادة عظماء من طراز ايزنهاور وروزفلت ولنكولن وغيرهم، ومع ذلك لم يحكموا وحدهم، بل كانت الى جانبهم منظومة من المساعدين والمستشارين والخبراء، شاركت في إنتاج هذه الدولة العظمى، وحققت لها مجدها التليد.
اليوم لو جُمعت كل أدبيات دونالد ترامب قبل وصوله الى سدة الرئاسة، لأمكن القول ان الولايات المتحدة مقبلة على تغييرات جذرية كارثية، لن يكون العالم معها بصورة أفضل، نظرا لسطوة أميركا على الكرة الأرضية. لكن «روما من فوق ليست كروما من تحت»، ولسوف يكتشف ترامب أن معظم أفكاره ليست قابلة للتطبيق، لا في الداخل ولا في الخارج. وشخص واحد لا يمكنه أن يغير أميركا والعالم، حتى أن أزرار الحرب النووية لم تعد لعبة تحت أصابعه. ثمة مؤسسات في أميركا تحد من طيش الرئيس، أي رئيس، وعليه لا يمكن التكهن مسبقا بالمستقبل، فليُعطَ هذا الرجل فرصته، وبعدها يمكن الحكم عليه.
في الخلاصة، يترقب الكثيرون الإعلان عن فريق العمل الذي سيختاره ترامب لمواكبته خلال ولايته المقبلة، قبل إطلاق الأحكام النهائية على الرجل، خصوصا في الخارجية والدفاع والمخابرات والأمن القومي فضلا عن كبار المستشارين، في وقت بدأت تتسرب بعض الاسماء التي لا توحي بالطمأنينة، لكن العبرة في الخواتيم التي ستحكم الادارة الأميركية الجديدة بعد العشرين من كانون الثاني المقبل.
يبقى أن لبنان إحدى الدول التي تترقب المرحلة المقبلة، وليس سرا أن بعض القوى اللبنانية بدأت تراهن بخفر على بعض الأسماء المطروحة في فريق عمل ترامب، إلا أن المراحل الماضية أثبتت أن الرهان على الادارات الأميركية هو نوع من السراب. فالمصالح الأميركية فوق كل اعتبار، ولبنان ليس الا نقطة صغيرة في بحر السياسة الخارجية الأميركية، ومن «جرب المجرب كان عقلاه مخربا».
في المناسبة، كلمة «TRUMP» الانكليزية لها باللغة العربية أكثر من معنى، أبرزها «البوق» أو «الورقة الرابحة».. فأي عصر سيعيشه العالم في ظل هذين المعنيين؟
"السفير" اللبنانية