2025-05-22 08:19 ص

سوريا... سوريا.....

2016-11-12
بقلم نبيه البرجي

هذه دولة اعطت روما ستة اباطرة، وهذه دولة انتجت زنوبيا وانتجت يوسف العظمة. على ارض دمشق ضريح صلاح الدين الايوبي ومقام محيي الدين بن عربي الذي جعل الله يتجول ثانية في اللغة العربية، لعله جعله يتجول، بعباءة الكون التي هي عباءة الازل، في حواري المدينة...
هنا النخبة التي في اصابعها اللآلئ والتي اذ نزح الكثير من اركانها الى لبنان، وكما قال لنا محمد الماغوط،  فلكي تزيد في... ثراء القمر!

هي الدولة التي يلامس فيها كل عربي ما وصفها ارنولد توينبي بـ«جيوبوليتيكا الاحاسيس»، دولة لكل العرب، وتقطيع اوصالها تقطيع لاوصال كل العرب، هكذا فعل مارك سايكس وجورج بيكو. هنري غورو، الآتي بانف مرفوع من معركة المارن، فعل اكثر من ذلك، ان تكون سوريا اربع دول او اكثر...
هل المسألة اسقاط النظام في سوريا ام اسقاط الدولة في سوريا حين يتم استجلاب عشرات آلاف المقاتلين من اقاصي الارض، ومن اقاصي الايديولوجيا، الى مدنها وقراها؟
اي بديل للنظام اذا كنا امام نموذج ابي بكر البغدادي وابي محمد الجولان، وبينهما كل اولئك الأفاكين  الذين اما يتلاعب بهم الاباطرة والسلاطين او يتلاعب بهم يشوخ القبائل وشيوخ الطرق؟
الآن سوريا، ازمتنا الكبرى، قضيتنا الكبرى مسرح للاستراتيجيات الكبرى وللاستراتيجيات الصغرى على السواء، على ارضها يفترض ان تحل كل الازمات، من اوكرانيا وحتى فلسطين، ومن الباسيفيك حتى «مضيق بيرنغ، ومن آسيا الوسطى حتى اوروبا الوسطى، ومن القوقاز حتى البلطيق...
هكذا بالمال العربي، وبالمرؤة العربية، نوظف الدم السوري (الذي يهب هباء) ان في صياغة قواعد اللعبة او في صياغة قواعد الاشتباك، ليس على مستوى الشرق الاوسط فحسب وانما على مستوى الكرة الارضية.
مثلما لا مجال للرهان على «هلسنكي اخرى» بين الشرق والغرب لتكريس ثنائية القطب، بكل المعايير والآليات والمعادلات (وبكل مفاهيم البلقنة)، لا مجال للرهان على وقف الصراع بين السعودية وايران. هذا الذي يحمل الانكليزي ديفيد هيرست على التساؤل عن ذلك الشعب للرقص بين القبور...
سعوديون وايرانيون، من سوريا الى اليمن، ومن العراق الى لبنان، لسنا هنا في جيوبوليتيكا الاحاسيس وانما في جيوبوليتيكا العدم. الا يبدو رجب طيب اردوغان، وقد تحوّل الى ديكتاتور القرن، وهو ينتظر مع بنيامين نتنياهو تفكك دول المنطقة، ومجتمعات المنطقة لاقامة الكوندومينيوم العثماني - العبراني، الذي فكر فيه البارون دوروتشيسلد قبل ان يتسلم الوعد الشهير من آرثر بلفور ولويد جورج؟
المشكلة انه لا حل للمشكلة في سوريا. الذين طرحوا الفيديرالية او الكونفيديرالية لاحظوا انها غير قابلة للتطبيق حتى على الورق لان اردوغان الذي يطالب حتى بدولة تركمانية في سوريا (والعراق) سيواصل جهوده لابتلاع سوريا كلها، على ان تقام الدولة الفلسطينية في منطقة بين سوريا والعراق.
منذ البداية لم يكترث رجب طيب اردوغان بتحذير الصحافي الرائع جنكيز تشاندار الذي ابتعد منذ حين عن الكتابة من «ان تركيا قد تنفجر وتنفجر انت معها»، لان زمن السلطنة انتهى ولان التصدع الطائفي والاتني في تركيا قد يكون اكثر تعقيداً من اي تصديع مماثل في اي من بلدان الشرق الاوسط...
التجزئة تعني ايضاً الحرب الابدية، لنتصور اي ايديولوجيات، واي قيادات، يمكن ان تتحكم بالدول او بالدويلات التي يتم تصنيعها. الفصائل تحولت الى عصابات للمرتزقة. سلاح ومال من كل حدب وصوب. اين الحرية، والعدالة، والديموقراطية في هذه الحال؟
نعلم ما هو الدور التركي (والاميركي) حين تم فتح ثغرة عند احدى بوابات الموصل لكي ينتقل مقاتلو «داعش» من العراق الى سوريا لتكون مقبرة افغانية للروس وللايرانيين وللسوريين بالدرجة الاولى، فهل يستطيع «الحشد الشعبي» بكل فوضوية، وبكل الشعارات التي يرفعها، ان يقلب المشهد وبالتالي يقطع الطريق على ذلك السيناريو الجهنمي.
وراء الضوء، اشياء هائلة تحدث الان. ماذا بعد الموصل؟ وماذا بعد الخليفة؟ حتى علامات الاستفهام، لم تعد صالحة للاستعمال. انظروا ماذا يحدث في حلب، هناك اختزال للمشهد الكبير وللمجهول الكبير...

المصدر/ صحيفة "الديار"