2025-05-22 03:56 ص

شعوب مستكينة حائرة وحكام على حلة شعرها فارعة دارعة

2016-11-19
بقلم: د. أنور العقرباوي         
لا تزال ردود الأفعال على وصول رجل أعمال لا يفقه أمرا في إدارة شؤون دولة إلى قمة السلطة، لا تزال تتفاعل على الصعيدين الداخلي والخارجي! وبغض النظر عن تباين ردود الأفعال داخليا، فإن أيا منها لم تطعن بنتيجة العملية ونتائجها أو شرعية الرئيس المنتخب الجديد، حتى ولو على سبيل الإفتراض أنه ولد لأم أمريكية من أب غير أمريكي، طالما أنه كان يستوفي شروط المواطنة في الولايات المتحدة! تفاوتت ردود الأفعال الدولية بين مجاملة مع الحدث، وأخرى تنوه بأهميته ونتائجه وأبعاده، وثالثة وجدت فيه مناسبة للتذكير بوجودها والعطف عليها! ولعل الأبرز في ردود الأفعال تلك من وجهة نظرنا، كان رد الفعل الأوروبي اللذي صدر عن مارتن شولتز رئيس البرلمان الأوروبي اللذي صرح بأنه يأمل في "تعاون عقلاني" مع دونالد ترامب، وإذا أضفنا لتصريح السيد شولتز ما جاء على لسان وزير العدل الألماني هيكو ماس "إن العالم سيزداد جنونا بعد فوز دونالد ترامب برئاسة الولايات المتحدة"، فبغض النظر عن الندية الجلية في أسلوب التخاطب مع "الند الأكبر"، فإن اللذي استوقفنا واسترعى انتباهنا أكثر، هي ليست بالضرورة تلك التصريحات اللتي صدرت عن بعض "زعماء" عرب، ولكن ما اتسمت فيه ردود أفعال وتعليقات شعوبنا، اللتي قد تبين بعد مرور عقود من الزمان، أنها ما تلبث تجهل أو تتجاهل عدوها الحقيقي، وفي أحسن الأحوال لا تجيد أكثر من الدعاء على أمريكا، أو تحميلها وزر ما آل إليه حالنا!!! تميزت ردود الفعل العربية تاريخيا إزاء الأحداث اللتي كانت تمس واقعها وقضاياها الوطنية والقومية، على ما كانت تعبر عنه الجامعة العربية غالبا، من انسجام وتماشيا مع مواقف قادة وطنيين تاريخيين، من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وآخرون من الجزائر والعراق وسورية إلى فلسطين، حتى إذا ما اختطفهم القدر على حين غرة، حتى سارعت بعض الأنظمة العربية، وعلى وجه الخصوص الملكية منها، على خلع الحجاب، اللذي لم يكن يخفي في الحقيقة شيأ من عوراتها، لولا خشيتها من جماهيرها اللتي كانت هي على الحين الآخر، قد سجلت مواقفا ستبقى محفورة بالذاكرة إلى الأبد، عندما أسقطت أحلافا ومعاهدات، وعندما أطلقت ثورات وتبنت وساندت حركات تحرر عربية من المحيط حتى الخليج! وإذا كانت المواقف بالمواقف تذكر، فإن اللذي لا بد من ملاحظته عربيا، ذلك التصريح اللذي أشاد فيه الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز فيما أسماه “بالعلاقات التاريخية الوثيقة بين البلدين”، وهو اللذي يدرك أن تطبيق قانون جاستا (العدالة ضد رعاة الإرهاب) قادم لا محالة ولا مفر منه، وأن إستنزاف مجمل أرصدتهم اللتي وضعت أصلا لخدمة إقتصاديات أصدقاء الأمس، لقاء ضمان بقائهم على عروشهم، ما هي إلا مسألة وقت حين تبدأ المحاكم في البث في قضايا الإرهاب المنسوبة لآل سعود، واللتي سيضاف إليها الثمن الجديد اللذي وعد به ترامب في حال ما اختاروا الإستمرار في حكمهم! وإذا كان هنالك من ردود الأفعال العربية ما يشرفنا في نبرتها ومضمونها، فإنه لامفر من تسجيل الموقف الذي أعلنه الرئيس السوري بشار الأسد، في مقابلته مع التلفزيون البرتغالي، واللذي أشار فيه إلى أن الرئيس الأمريكي المنتخب سيكون "حليفا طبيعيا" إذا حاربت إدارته الإرهاب. وهذا يأخذنا مع ما تبقى من سطورنا، على الإشارة إلى المغالطة الكبرى واللتي ترسخت في عقول الكثيرين منا ومنذ عقود، أن أمريكا هي العدو الأول لنا، وهي اللتي وإن لم تكلف نفسها العناء في إثبات عكسه، ظنا منها أنه في تحويل الأنظار عن أدواتها من حكام العرب، وعدم الإشارة إليهم مباشرة سيخدم مصالحها بطريقة أفضل وأطول، وعلى العكس منه فإن توجيه أصابع الإتهام لهم، فقد يعجل بزوالهم وتهديد مصالحها، تماما مثلما كاد أن يحصل في مصر، قبل أن ينقذوا وجودهم من خلال تحالفات مع الجماعات الإسلامية! وأخيرا فإن اللذي يعنينا من كل ما تقدم، هو أولا: التنويه أن ما حصل في بلاد العام سام، وإن كان أساسه إستحقاق دستوري لإنتخاب رئيس جديد، فإنها كانت مناسبة تعداها الأمريكيين إلى إستفتاء على الإستمرار في الرضوخ للأمر القائم وما يمثله من تبادل للسلطة بين أصحاب النفوذ التقليديين، أو الثورة عليه طالما أن القادم الجديد قد يكون من خارج الحاضنة التاريخية للمتنفذين من الحزبين الرئيسيين؛ ثانيا: وهكذا كان وأن جاء إلى السلطة من هو من خارج حلبة المنتفعين، ومن لا يمكن لأحد التنبؤء بما هو مقدم عليه، وإن كان قد أحاط نفسه بمجموعة من العقائديين اللذين فيما يهمنا نحن العرب، أنهم جميعا ممن أيدوا غزو العراق وليبيا ولا يخفون نواياهم عن الرغبة في التدخل في سورية، أو تصنيف المسلمين بين معتدلين وإرهابيين، وأخيرا دعمهم اللامشروط للكيان الصهيوني وتبني كل مواقفه ومشاريعه؛ ثم ثالثا: أن أهم ما يعنينا هو أن نستوعب أنه أمام حركة الجماهير، اللتي على بينة من أمرها، فإنه لا يمكن لأي قوة أن تحول دون بلوغ أهدافها، حتى لو كانت تعيش تحت سيطرة أعتى الديكتاتوريات، ولكنه من الواجب علينا بعد الآن أن لا نتردد في الإشارة مباشرة على حكامنا، لأن الحد من تماديهم لن يعني ذلك سقوط المشاريع التآمرية وحسب، بل أنه سيعجل في زوال الكيان الصهيوني الحريص على بقائهم على سدة عروشهم! وأخيرا، فإذا كان "الشعب" الأمريكي اللذي يقل عمره في التاريخ عن ثلاثة قرون، وعلى الرغم من توفر كل وسائل الرفاه الإجتماعي لديه ولو بحده الأدنى، قد قرر أن يثور على الوضع التقليدي المزمن وقد فعلها (بمقياسه)، فهل يعقل أو يمكن لعاقل أن يصدق أو أن يستوعب ما حل بالأمة اللتي شاخ التاريخ من صنائعها ووقائعها، إلا أن تكون مستكينة حائرة وحكامها على حلة شعرها فارعة دارعة!!! 
كاتب فلسطيني مقيم في واشنطن