بقلم: بطرس الشيني
تحظى اليابان والشعب الياباني بصورة نمطية فائقة الجمال والاحترام لدى السوريين بشكل عام .. اليابان هي ذلك البلد " الضحية " للمحرقة النووية الوحيدة وهو البلد المسالم فائق الحداثة الذي نهض من تحت رماد الحرب العالمية الثانية أكثر قوة وهو البلد المزدهر الذي يخدم البشرية كل يوم بمنتجات ومخترعات تجعل حياة الإنسان أسهل وأفضل .. والانسان الياباني هو دوماً ذلك الشخص اللطيف الدمث الطيب ..
لم تتحقق هذه الصورة الزاهية عن اليابان واليابانيين نتيجة حملات إعلانية مدفوعة الثمن ولا " هوليوود " ياباني روج لثقافة هذا البلد إنما تحققت فقط من خلال إتقانهم لصناعتهم وعدم تدخلهم بصورة مباشرة في أي نزاع مسلح بعد الحرب العالمية الثانية .
الصورة النمطية للياباني واليابان نسفتها المصالح المالية مرة واحدة عبر شركة تويوتا الشهيرة للسيارات التي تعتبر مفخرة من مفاخر الصناعة اليابانية فمصالح هذه الشركة وعلاقاتها الوثيقة مع الدول العربية الخليجية الداعمة للإرهاب وخاصة السعودية وقطر مكنت هذه الشركة من زيادة مبيعاتها من أنواع معينة من السيارات رباعية الدفع التي ذهبت جميعها إلى التنظيمات الإرهابية في سورية والعراق وشكلت الآلاف من سيارات تويوتا أسطول النقل الأكبر لتنظيم داعش الإرهابي وبواسطة هذه السيارات السريعة تم الهجوم على مدينة تدمر الأثرية تحت سمع وبصر طائرات قوات التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة وهناك قتلت داعش مئات المدنيين والعسكريين ودمرت الإرث الحضاري الأثري للإنسانية وعبر هذه السيارات التي تم تعديلها لتحمل قاذفات صواريخ غراد ورشاشات ثقيلة تم اجتياح مناطق واسعة من البادية السورية وثلاث محافظات عراقية تشكل مجتمعة ما يزيد عن ربع مساحة اليابان .
الوجه القبيح لليابان ظهر نتيجة قرارات شركة تويوتا وبعض وكلائها من المنطقة ببيع ما يزيد عن /60/ ألف سيارة رباعية الدفع وصلت في النهاية للإرهابيين بتمويل دول عربية خليجية ترتبط بأوثق العلاقات التجارية مع اليابان وكما دخلت تويوتا بقوة الى سوق الإرهاب الدولي دخلت سلعة يابانية أخرى ظلت تمثل لقرون طويلة أحد عناوين الشرف الياباني " الحصين "ألا وهو سيف " الساموراي " الذي استورده بعض تجار الخليج والأتراك ليباع لتنظيم داعش وباقي التنظيمات الإرهابية التي نفذت أبشع جرائم قطع الرؤوس به ولا نعلم ما إذا كانت داعش قطعت رأس الصحفي الياباني " جونكوايشيدو " بمثل هذا السيف فمثل هذا السؤال يمكن أن تجيب عنه الحكومة اليابانية التي سكتت مطولا عن تصرفات إدارة ووكلاء شركة تويوتا في تزويد الإرهابيين بسياراتها .
أينما وجد الإرهاب وجدت تويوتا .. في مالي والنيجر مع القاعدة في سورية والعراق وأفغانستان .. مع داعش والنصرة وجيش الفتح وجيش الإسلام ومع عشرات التنظيمات الارهابية الاخرى والتصقت علامة تويوتا بشكل خاص بمنظمة داعش حيث ظهرت علامة تويوتا الشهيرة جنباً الى جنب مع علم داعش الأسود والقتلة بشعرهم الطويل وسكاكينهم وسيوفهم في آلاف مشاهد الفيديو التي تم عرضها على موقع يوتيوب وروجتها محطات تلفزيونية خليجية وأوروبية مؤيدة للإرهاب.
الحكومة اليابانية " لو أرادت" هي ومعها شركة تويوتا لوضعت حداً منذ سنوات لهذه التجارة القذرة مع المنظمات الارهابية إذ أن معظم سيارات تويوتا التي بحوزة الإرهابيين هي من الجيل الحديث ومزودة بنظام الكتروني يمكن الشركة " في حال أرادت" متابعة سياراتها عبر القمر الصناعي من لحظة خروجها من المرفأ وصولاً إلى داعش وبالتالي بإمكانها كشف شبكات المتاجرة مع الارهابيين ولكنها لم تفعل وليس هناك ما يشير إلى أن اليابان بصدد اتخاذ اجراء لمنع تدفق الدعم للإرهابيين ربما حفاظاً على صفقات النفط والتجارة مع دول الخليج الداعمة لتلك التنظيمات .
البادرة الإيجابية الوحيدة هي تقرير أصدرته شركة تويوتا مؤخراً أشار الى أن الشركة باعت / 60 / ألف سيارة دفع رباعي لكل من السعودية وقطر والإمارات والأردن ثم تزويد داعش بها في النهاية وقد كشف هذه المعلومة السيد " بشار الجعفري " مندوب سورية الدائم لدى الأمم المتحدة منتصف تشرين الثاني 2016 أثناء مناقشة مشروع قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة حول حالة حقوق الانسان في سورية قدم امام اللجنة الثالثة في الجمعية وقال الجعفري أن هذا التقرير صدر بناء على طلب من حكومتي سورية وروسيا الاتحادية اللتين زودتا الشركة بآلاف الصور للسيارات من ماركة تويوتا التي تم تزويد تنظيم داعش الإرهابي بها في سورية والعراق .
القصة من البداية
رغم التعتيم الإعلامي على الدعم الكبير الذي قدمته الولايات المتحدة وجميع الدول الأوروبية والعربية وغيرها من الدول التابعة للسياسة الأمريكية للمنظمات الإرهابية في سورية فإن تصريحات السياسيين الغربيين حول هذا الدعم لا تحصى وهم في ذلك تلاعبوا بالمصطلحات والتسميات وتحاشت وسائل الإعلام إطلاق صفة " إرهابي " على أي تنظيم ارهابي في سورية واستخدمت عوضاً عنه تعابير مثل " جهادي " أو " ثوار " أو معارضة مسلحة رغم أن المئات من التنظيمات التي تحمل تسميات مختلفة كانت تقوم يومياً ببث مقاطع فيديو عبر الانترنت عن جرائمها بحق المواطنين السوريين من مدنيين وعسكريين وتم تصنيف هذه التنظيمات ضمن خانة الإرهاب عندما طالت جرائمها بعض المواطنين الأوروبيين فقط .
وأظهرت مقاطع الفيديو تلك إضافة الى الأسلحة المقدمة من الولايات المتحدة وأوروبا بتمويل سعودي قطري وعبر تركيا والأردن وإسرائيل أظهرت تلك المقاطع إضافة إلى صواريخ التاو ومدافع الهاون والرشاشات الثقيلة سيارات تويوتا الحديثة رباعية الدفع بداية مع ما يسمى ( الجيش الحر ) ولاحقاً مع جميع التنظيمات الإرهابية ومنها داعش وجبهة النصرة .
وفي بحث قمنا به عبر الانترنت حول تزويد المنظمات الإرهابية بسيارات تويوتا تبين أن الدفعات الأولى منها قدمتها حكومة الولايات المتحدة وبريطانيا منذ عام 2013 ويقول الخبير الجيو سياسي / طوني كارتا لوتشي / في مقال على موقع " المرصد الشرقي الجديد " العام الماضي أن الكشف عن التحقيق الذي تجريه وزارة الخزانة الأمريكية في كيفية حصول داعش على أعداد كبيرة من سيارات تويوتا الجديدة جاء بعد تنامي الاشتباه على نطاق عالمي بأن واشنطن قامت بدور أساسي في تجهيز وتمويل جيش الإرهابيين الذي يحارب في سورية والعراق وأن التحقيق يهدف إلى خلط الأوراق وصرف الانتباه عن دورها عبر نشر مزاعم حول وجود جهة مجهولة مسؤولة عن تجهيز داعش " بالسيارات " وأشار الى أن قناة " ايه بي سي " الأمريكية كانت الأولى التي تناولت الموضوع .. وكان خبراء مكافحة الإرهاب الأمريكيين طلبوا وفق تقرير القناة من شركة تويوتا مساعدتهم في التحقيق الرامي الى الكشف عن السبل التي حصل بها داعش على السيارات الجديدة التي تظهر بالعشرات في جميع فيديوهات داعش .
وقال " مارك ولاس " السفير السابق للأمم المتحدة في تصريح " لـ ايه بي سي " للأسف الشديد أصبحت تويوتا لاندكروزر وتويوتا " هيلوكس " جزءاً من ماركة داعش
ويشير " كارتا لوتشي " أنه كان يتعين على وزارة الخزانة توجيه أسئلتها ليس لشركة تويوتا بل الى وزارة الخارجية الأمريكية وذكرت الإذاعة الدولية العامة / RRS / وفق الخبير في عام 2014 أن سيارات تويوتا رباعية الدفع كانت على رأس قائمة المشتريات (( للجيش الحر و حركة طالبان)) وأن وزارة الخارجية الأمريكية عندما استأنفت ارسال المساعدات إلى ما يسميها المعارضة المسلحة ضمت قائمة التوريدات /43/ سيارة تويوتا وهي لم تكن الدفعة الأولى .
وكانت لندن قدمت وفق مقال نشرته صحيفة " دي اندبندنت" مساعدات بقيمة /8/ ملايين جنيه استرليني للمعارضة السورية شملت /5/ سيارات رباعية الدفع مصفحة و /4/ شاحنات و/4/ سيارات جيب و/5/ سيارات بيك آب إضافة لأجهزة ومعدات أخرى .. .
تبرير تويوتا هل يعفيها من المسؤولية :
شركة تويوتا تجاوبت مع الطلب الأمريكي في إجراء تحقيق حول وصول سياراتها إلى داعش وقالت وفق ما ذكرت "ايه بي سي" في تقريرها الصحفي أنها لا تملك معلومات حول أصول الظاهرة لكنها تدعم التحقيق الذي يجريه قسم مكافحة تمويل الإرهاب في وزارة الخزانة الأمريكية وأكدت أنها سلمت وزارة الخزانة معلومات عن سلاسل توريد السيارات إلى الشرق الأوسط .
وكانت وكالة الأنباء اليابانية "كيودو" نقلت تصريحاً للمتحدث باسم تويوتا /ادلويس/ قال فيه أن الشركة تتعاون مع وزارة الخزانة الأمريكية للتحقق حول تسلسل وصول مركباتها إلى الشرق الأوسط .
وأفادت نتائج تحقيق شركة تويوتا في خبر لاحق ذكرته عدة صحف إن /60/ ألف سيارة تويوتا تم بيعها في المنطقة منها /22500/ سيارة اشترتها شركة استيراد سعودية الجنسية واشترت قطر /32000/سيارة والإمارات /11650/ سيارة واستورد الجيش الأردني /4500/ سيارة باعتماد مستندي ائتماني من عدة بنوك سعودية الجنسية ووفق الصور التي سلمتها الحكومتان السورية والروسية لشركة تويوتا فإن هذه السيارات وصلت إلى داعش نهاية الأمر .
تلويث الجميع
الولايات المتحدة اعتمدت في ظل الرئيس اوباما إستراتيجية جديدة لحروبها تقضي بجعل الآخرين يقومون بها واعتمدت على المنظمات الإرهابية كأداة فعالة لتحقيق سياساتها عبر العالم وقدمت لهم المال والسلاح بتمويل من دول الخليج العربي بلا حساب او سقف وهي إلى ذلك قدمت الدعم السياسي والدبلوماسي وجعلت من المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة أدوات تنفيذية لسياساتها وكذلك الدول الأوربية والتابعة سياسيا وكونها هي التي أثارت قضية سيارات تويوتا لدى داعش يثير السخرية أكثر من الاستغراب كونها قدمت الأسلحة لهذا التنظيم بشكل مباشر أو غير مباشر وإضافة سيارة أو آلاف السيارات ما كان ليفيد في تمدد الإرهاب لولا الأسلحة الثقيلة والصواريخ المتنوعة التي يملكها هذا التنظيم وغيره من التنظيمات برضى وموافقة واشنطن ويكفي للتأكد الاطلاع على ما قاله الرئيس الأمريكي المنتخب ترامب حول دور وزيرة الخارجية السابقة كلينتون في دعم الإرهاب خاصة إرهاب داعش وما قاله المحقق الكبير في لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي " جون كير ياكو " وهو ضابط سابق في (السي آي أيه) الذي أكد أن الولايات المتحدة تدعم وتسلح تنظيم داعش الإرهابي عبر تقديمها كل أشكال الدعم لإرهابيي المعارضة المعتدلة في سورية.
في كل الأحوال ثمة ما يشيرإلى أن الإدارة الأمريكية قدمت سيارات تويوتا للمسلحين في سورية وليست أية ماركة أخرى من السيارات الأميركية المنافسة رباعية الدفع ... لتشتيت الانتباه فما يظهر في الصورة ليس ماركة المدفع والصاروخ بل السيارة تويوتا
ربما لا يتعدى الأمر جعل الجميع بما فيهم الشركات يلعبون دورا قذرا في حروب واشنطن التي لا تنتهي ضد الأمم والشعوب التي ليست تحت مظلتها وهيمنتها السياسية ومع ذلك ليس هناك ما يبرر لعملاق صناعة السيارات اليابانية تهاونه في بيع سمعة وشرف اليابان مقابل المال .butros3s@gmail.com