كنا قد كتبنا عن أن أردوغان يجيد اللعب على مئة حبل، لم نظلم الرجل مطلقاً فبعد يومين فقط من التودد والتقرب من طهران وايفاد وزير خارجيته ورئيس الاستخبارات، يطل أردوغان في ندوة كانت مخصصة للقدس في اسطنبول، ليغدق لسانه بسيلٍ من الخطاب " الصلف"، والترويج لجملة من الأمور غير الواقعية على الإطلاق والتي لاتنسحب حتى على عقول المراهقين في السياسة، لجهة أنه دخل الأراضي السورية داعماً للجيش الحر وذلك لإحلال العدالة، وإعادة الأرض لأصحابها الحقيقيين، ولايخطط مطلقاً للاستيلاء على الأراضي السورية وإن تدخل الجيش التركي في سورية هو لإنهاء حكم من وصفه بالطاغية والمجرم أي الرئيس الأسد بحسب تعبيره.
الجميع يعرف لماذا تدخل أردوغان وكيف انسحبت داعش وبالتأكيد( ليس انسحاباً تكتيكياً)، عندما تمت السيطرة على مدينة جرابلس، وكل هذه الحمية التركية لم تفيض إلا من أجل هدف واحد أوحد الأكراد ثم الأكراد.
عن أي عدالة وإحقاق للحق يتحدث سلطان أنقرة، وكان أول من أدار الظهر لفلسطين والقدس، ومازال الجري مستمراً في الملعب الاسرائيلي من تطبيع كامل للعلاقات، والهرولة لمساعدة الكيان الصهيوني في إخماد ألسنة الحرائق الأخيرة، وعن أي مظلوميات وإجرام الغير يدين السلطان، وسجونه ملأى بالمعارضين والصحفيين والعسكريين والقضاة وأساتذة الجامعات على خلفية " الانقلاب الفاشل".
عادة لا نستشهد بكلام المسؤولين الإسرائيليين ولكن توصيف ليبرمان المعارض للتطبيع مع تركيا لجهة أن التقرب من أردوغان هو غباء سياسي، وإن أردوغان يستمر في نهج بول جوزيف غوبلز وزير الدعاية السياسية في عهد هتلر المفوه فوق العادة والذي استطاع من خلال مقدراته الخطابية إقناع الشعب الألماني بالفكر النازي وتصوير هتلر على أنه المنقذ والمخلص، وهو أي غوبلز صاحب المقولة الأشهر ( اكذب حتى يصدقك الناس)، وكذلك القول المشهور أيضاً ( كلما سمعت كلمة مثقف تحسست مسدسي)،كل ذلك أثارنا في الواقع وجعلنا نستشهد بماقاله ليبرمان.
خطاب أردوغان " الناري " في اعتقادنا هو ردة فعل كلامية فقط على مقتل الجنود الثلاثة الذين قتلوا في قصف للجيش العربي السوري في مدينة الباب، ولم يجد السلطان إلا الكلمات النارية ليرد بها، ولاسيما بعد الكلام القوي الذي سمعه وفده في طهران، وماأبدته روسيا من ثبات مطلق في دعم الأسد، حتى الصحف الأوروبية ولاسيما البريطانية باتت تقر في افتتاحياتها بأنه إن كان من منتصر في سورية فهو الأسد وعلى الغرب أن يتحضر لقبول ماكان يعده غير مقبول.
ربما لن يطوي أردوغان كتاب الاتحاد الأوروبي فقط، إذ أعلن أن تركيا لديها البدائل عن أوروبا، بل ربما باتت الصورة أقرب من أي وقت مضى ليطوي الكتاب السوري أيضاً، فأقلامه جفت وأوراقه تطايرات ومداده نفذ، إما في الميدان أو في الباصات الخضراء ولا أقلام تسيل ولاحبر يغدق إلا حبر الأسد وحلفائه ( لا نزايد ولا نسجل مواقف إنما الوقائع تتحدث).
* كاتب صحفي فلسطيني مقيم في ألمانيا
Dr.mbkr83@gmail.com