2025-05-21 04:01 م

حزب الله اللبناني و التحديات الراهنة في المنطقة

2016-12-10
بقلم: عميرة ايسر
لعب حزب الله اللبناني دوراً محورياَ في الشرق الأوسط منذ نجاحه في دحر الاحتلال الإسرائيلي الغاشم عن حدود بلد الأرز الجنوبية،وازدادت شعبيته لدى جموعِ الأمة الإسلامية بعد أن كبَّد العدو الصهيوني خسائر فادحة في الأرواح والعتاد في "حرب تموز2006 والتي استمرت لما يقارب 34 يوماً وشملت مناطق واسعة من لبنان وشمال فلسطين المحالة،وأثرت على "هضبة الجولان السورية" ومنذُ ذلك الوقت وبعد أن كرس الحزب نفسه كلاعب استراتيجي مهم في معادلة الصراع العربي الإسرائيلي.وأحد ركائز ورموز المقاومة الأساسية بعد أن تراجع دول دور الطَّوق بعد توقيع اتفاقيات سلام وهدنة طويلة الأمد مع الكيان الصهيوني في مقابل مساعدات عسكرية أمريكية ومالية وتنفيذ مشاريع استثمارية ضخمة فيها،وتوفير الحماية السياسية والأمنية في مواجهة التحديات والأخطار المحدقة بها فكانت "اتفاقية كامب ديفيد" بينَ الجانبين الصهيوني والمصري والتي وقعت سنة 17سبتمبر 1978بين "أنور السادات" و"مناحيم بيغن" وتحت رعاية الرئيس الأمريكي "جيمي كارتر" لتخرج مصر نهائياً من معادلة الصراع وتفتح الباب على مصراعيه أمام دول عربية كانت ترغب في القيام بخطوة مماثلة ولكن على مضض خوفاً من ردَّات فعل جماهيرية أو شعبية غير محسوبة العواقب،ثمَّ جاء الدور على الأردن التي وقعت "اتفاقية واد عربة" بتاريخ26"أكتوبر 1994"على الحدود بين البلدين وفي وادي عربة،وكالعادة كانت معاهدة السلام بين الجانبين برعاية أمريكية حيث التقى الرئيس الإسرائيلي "شيمون بيراس" و"الملك حسين" في "مقر البيت الأبيض" بدعوة من "بيل كلينتون" وعدَّ توقيعها خياراً استراتيجياً وفق ما يراه مؤيدوهاَ وعرَّبوها نتيجة الأوضاع السَّياسية والاقتصادية والعسكرية الصعبة جداً التي كان يمر بها الأردن في فترة حكم الملك حسين. - وفعلت "مُنظمة التَّحرير الفلسطينية" الشيء ذاتهُ قبلاً في "اتفاقيات أوسلو" في( 13 سبتمبر1993 ) تحت رعاية أمريكية كالعادة.والتي وقعت بين الرَّاحل "ياسر عرفات" و"الرئيس الصهيوني" "شيمون بيراز" والتي نصَّت على "مناطق حكم ذاتي - للسُّلطة الوطنية الفلسطينية" كخطوة تسبق إعلان الدولة المستقلة،في مقابل التخلي كليةً عن المقاومة واستئناف مفاوضات الحل النهائي الشام.والذي يضمن قيام دولتين متجاورتين و"تقاسم القدس -عاصمة شرقية وغربية" لكل منهماَ،وهذا ما عملت كل الحكومات الصُهيونية اللاحقة على إجهاضه والتَّنصل منه بشتى الطرق والوسائل منذ توقيع اتفاقيات أوسلو التي ترفضها فصائل فلسطينية،وترى فيها انتقاصاً من الحقوق الفلسطينية التاريخية وعلى رأسها "حركة حماس- والجهاد الإسلامي" وفصائل فتحاوية انشقت عن الحركة الأم التي أصبحت بوقاً للاحتلال،ومنفذاً لسياساته الاستيطانية والتَّوسعية على حسابِ قيم ومبادئ الثورة الفلسطينية التي هدفها تحير فلسطين من النهر إلى البحر،ودحر الاحتلال الإسرائيلي المغتصب وحزب الله باعتباره فصيلاً مقاوماً تبنى خيارات إستراتيجية ودائمة تتمثل في دعم ومساندة القضايا العربية المحقَّة.بغض النظر عن توجهات أهلها أو مذاهبهم أو خلفياتهم السياسية والوطنية أو الحركية فهو قدم كافة صنوف الدَّعم والتدريب لهذه الفصائل وعمل على مدِّها بالمعلومات الاستخباراتية التي ساهمت في نجاح العديد من عملياتها النوعية والتي استهدفت قلب الكيان الصهيوني.كما أنه ساهم إلى حدٍّ كبير في كشف العديد من العملاء والمتآمرين في الداخل الفلسطيني أو في لبنان وعلى رأسها "شبكات التّجسس الإسرائيلية" التي كشفت حجم الخيانة والعمالة التي تضرب جذورها في أعماق أنظمة سياسية عربية،وأحزاب وجمعيات،وحركات ترفع "شعار القومية العربية" ودعم صمود الشعب الفلسطيني،وحتى بعد أن انخرط حزب الله في الصِّراع الدائر في سوريا بعد حوالي عامين من بداية الأحداث فيها،وكانت البداية مع "بلدة القصير الحدودية" وقد أدرك الحزب كما يقول "المحلل والخبير اللبناني" الأستاذ "محمد عيد" أن ما يجري في سوريا لم يعد ثورة شعب ضدَّ نظام عربي يحاول خلعه والثورة عليه أسوة بأمثلة سابقة،ولكن هي مؤامرة تكشفت خيوطها تدريجيا والمستهدف في النهاية هو "سلاح حزب الله" ومخزونه الحيوي من الصواريخ الباليستية التي يمكن أن تصل إلى أي منطقة في إسرائيل والدول الإقليمية المعادية لها كتركيا علي سبيل المثال لا الحصر.ورغم الانتقادات الواسعة والحملات الإعلامية التي شنتها أجهزة إعلامية لبنانية وعربية تهدف إلى تشويه صورته والضَّغط عليه باتجاه ترك النظام السوري لوحده حتى وصل الأمر "بالمرجع الديني" اللبناني الكبير "علي الأمين" إلى التَّصريح في أكثر من وسيلة إعلامية بأنَّ تدخل الحزب في سوريا سيجعله يخسر الكثير من رصيده المُقاوم،والذي اكتسبه عبر سنوات من مقارعة للاحتلال الصهيوني الغاشم وأطلقت دعوات خرجت من رحم تيارات دينية،وأحزاب سنية،ومارونية إلى التَّدخل بالقوة من أجلِ لجم خيارات الحزب في سوريا.فزعيم "تيار المستقبل" "سعد الحريري" أبدى في العديد من خطبته السياسية انزعاجاً واضحاً ودعوة صريحة إلى محاسبة الحزب ونزع سلاحه بالقوة.إذ أنَّ السلاح يجب أن يكون بيد الدولة اللبنانية وجيشها فقط،ونفس الموقف تبناه "بيار الجميل" النائب اللبناني "زعيم حزب الكتائب" خلفا لوالده أمين الجميل والذي له تاريخ طويل في العلاقة من إسرائيل أيام الحرب الأهلية في البلاد والتي امتدت زهاء 15 سنة من الاقتتال بين الإخوة الأعداء،ونسى سعد الحريري وبحسب تسريبات وثائق ويكليكس التي سربت قبل 5سنوات من اليوم بأنه يمتلك ميليشياَ سنٍّية قوامها 15ألف مقاتل ورفضت أمريكا تسليحه.وكذلك "سمير جعجع"رئيس حزب القوات اللبنانية والذي طالب إسرائيل صراحة سنة 2006بسحق حزب الله وإنهاء وجوده من لبنان،و بحسب نفس الوثائق فقد طلب من "جيفري فيلتمان" المبعوث الأمريكي الخاص إلى لبنان لإنهاء تلك الحرب الظالمة ضد بلد عربي شقيق، وأشخاص مقربين منه في سفارة الولايات المتحدة ببيروت مده بالسِّلاح لأنه يمتلك حوالي 10الاف مقاتل مدربين ويحتاجون إلى السِّلاح بصورة عاجلة وهذا ما ذكره أيضا "وليد جمبلاط " زعيم "حزب التقدمي القومي الاشتراكي الدُّرزي"،في نفس الفترة. - ورغم كل الضغوطات التي مورست داخلياً وإقليمياً،وتصريحات "رجب طيب اردوغان" في الكثير من المناسبات والتي اعتبر تدخل حزب الله هو تدخل أجنبي في الشأن الداخلي السوري،وتناسى أنَّ الطلب جاء عن طريق الدولة السورية ومؤسساتها الأمنية فيما يدعم هو وبالأدلة والقرائن منظمات إرهابية وجماعات متطرفة عاثت فساداً وخراباً في داخل البلاد،ويحتل مناطق واسعةً في شمال سوريا تحت ذريعة محاربة داعش ومنع إقامة دولة كردية،وأطلق عملية عسكرية فاشلة عنوانها "درع الفرات"،بدون غطاء أممي أو من "مجلس الأمن الدولي" ودون طلب من الدولة السورية ورئيسها الشرعي "السيِّد بشار الأسد"، ورغم اغتيال قائد العمليات الدَّولية في الحزب "الشهيد عماد مغنية"رحمه الله تعالى،وأبرز قادته العسكريين عن طريق عبوة ناسفة زرعت أمام سيارة رباعية الدفع عند خروجه من أحدِ مطاعم العاصمة دمشق،وكانت العملية بتنسيق دقيق بين وكالة المخابرات الأمريكية والصُّهيونية،وهذا ما شكل صدمة كبيرة ومدوية لدى قادة الحزب وعناصره وحتى عند أنصار الحزب ومحبيه في كل مكان.ووصلت الدرجة بالبعض إلى نفي استشهاده واعتبروه أسطورة خالدة لا تموت على خطى "تشي غيفارا" أو القنَّاص الايرلندي الذي كان يلقب "بالموت الأبيض" "سيمون هايا"،ولكن رغم ذلك تدارك الحزب وأمينه العام السيِّد "حسن نصر الله" الأمر واستطاع أن يطور من خطط الحزب واستراتيجياته العسكرية وزاد من مخزونه من الأسلحة الحديثة والمتطورة،والتي منحها له الجيش السوري وحلفاءه الإيرانيين والروس نظير تفانيه في حربه ضدَّ أعدائهم المشتركين في الأراضي السُّورية - فالحزب الذي تواجد في العراق وقد صرَّح أمينه العام في عدة مناسبات دينية ووطنية أن الحزب ينشط في العراق وينفذ عمليات نوعية بالاشتراك مع فصائل المقاومة العراقية الأخرى ضدَّ القوات الأجنبية هناك.وضدَّ عملاء الموساد وتنظيم داعش وغيره من المنظمات والفصائل التي تخدم المشروع الأمريكي في العراق وخارجه.فالحزب الذي لفِّقت له تهم سابقة في مصر بمحاولة قلب نظام الحكم والتَّجسس ضدَّ الدولة،و بأنه قد تآمر مع "حركة حماس" واستطاع عناصره الهرب والتَّوجه إلى وجهات غير مرصودة لحد ألان فيما اتهمت أجهزة أمنٍ مصريةٍ وعربيةٍ حزب الله اللبناني باستغلال أحداث ثورة 25 جانفي/يناير2011 من أجلِ تهريبهم رغم عدم توفر أدلة ملموسة على ضلوعهم في الإرهاب أو التَّجسس ومحاولة ضرب المصالح العليا للشَّعب المصري،ويرى العديدُ من أعداء الحزب وخصومه ومنهم "عضو العلاقات الخارجية" في "المكتب الوطني السوري" سنة 2013"عبد الرحمن الحاج" أنَّ الحزب هو عبارة عن أداة إيرانية شيعية في المنطقة ولا علاقة له بالوطنية وبأنه يسخِّر كافة إمكانياته المالية وقدراته العسكرية من أجلِ خدمة المشروع ألصفوي الإيراني في المنطقة.ليأتي الرَّد ربما على ما يقوله مزلزلاً،وذلك عندما أضاء أهالي "بلدية بنت جبيل" اللُّبنانية شجرة عيد الميلاد ومكتوب على جداريتها التي جعلها الضوء السَّاطع المسلط عليها أكثر بروزاً وجمالاً شكراً حزب الله،وكانت حديث وسائل الإعلام وقتها،وعندما سئِل الشباب الذين كتبوا تلك العبارة على شجرة الميلاد عن سبب فعلهم لذلك قالوا بأنهم شاهدوا بأم أعينهم ما تفعله التَّنظيمات المتطرفة بالمسيحيين في الأراضي التي تستولي عليها،وكيف تقطِّع أوصالهم وتجبرهم على دخول الإسلام قصراً أو دفع الجزية أو الموت،وتغتصب الفتيات أمام أعين أهاليهم وتحت ضحكات أفراد التنظيم وقهقهاتهم.فتدخل حزب الله في سوريا جاء حسب رأيهم و رأي الكثير من المراقبين كالأستاذ "أنيس النقاش،وسالم زهران" وغيرهم من أنصار تيار 8 آذار كذلك من أجلِ منع الإرهاب من التَّسلل إلى المناطق الحدودية بين البلدين،وتحويل لبنان إلى كابول أوالرِّقة،والعمليات المشتركة التي قام بها الحزب بالتعاون مع قوات الجيش اللبناني في )جرود عرسال( من أجلِ تطهيرها من المسَّلحين والعناصر الإرهابية المتحصنة هنالك هذه العمليات النوعية قد منعت إلى حدِّ كبير تدهور الأوضاع الأمنية في البلد ورغم تفجيرات )برج البراجنة( التي وقعت قبل مدة زمنية ليست بالطويلة والتي استهدفت الضاحية الجنوبية في بيروت،أحدِ أهمِّ معاقل الحزب وقلاعه والتي راح ضحيتها العشرات بين قتيل وجريح،وتبنَّاها تنظيم داعش وتمكنت بعدها القوات الخاصة لحزب الله بالتعاون مع الجيش السوري من استهداف،وقتل أحد أهمِّ المسئولين عن نقل الإرهابيين اللذان نفذا العمل الإجرامي،وهو المدعو "عبد الرزاق الهنداوي" ورغم الخسائر التي يتكبَّدها الحزب يوميا في بلاد الشام،وجنازاته التي غصَّت بها شوارع المدن اللبنانية الجنوبية والتي تحسب عليه إلا أن قيادات الحزب يرون بأنَ هذا هو الثَّمن الذي يتوجب علينا دفعه من أجلِ الحفاظ على خطِّ المقاومة وقطع أيادي الإرهاب ألاثمة قبل أن تمتدَّ إلينا كما يقول: "الشيخ نعيم قاسم" أحد أبرزِ قياداته ونائب الأمين العام السيِّد حسن نصر الله.فالحزب بات يعي جيداً ويدرك معادلات الصِّراع في المنطقة،وأنَّ القوى التي تستهدف سورياَ إنما تريد القضاء على مشروعِ المقاومة والصُّمود فكما حاولت هذه القوى أن تفتعلَ لحركة حماس في فلسطين منذ سنوات ولا زالت لحد ألان الفتن الدّاخلية،وخلق انقسامات بينها وبين حركة فتح وكذلك توظيف فصائل متطرِّفة داخل القطاع من أجلِ استنزاف قُدرات الحركة العسكرية والقتالية وحصارها الخانق. - نفس السيناريو تكرر مع الحزب واتَّضحت جوانبه ونتوءاته البارزة بين عملية "اغتيال الشهيد رفيق الحريري"،والمطالبة بنزع سلاح المقاومة ثم عندما فشلت هذه المساعي شنَّت إسرائيل حرب ضروساَ عليه من أجلِ تركعيه وجعله يستسلم ثم عندما فشلت أيضاً أدرك صنَّاع الفكر والخطط الإستراتيجية في مراكز واشنطن،وتل أبيب،أنه يجب أن نضرب دمشق وطرق إمداد الحزب بالسِّلاح والذخيرة لأننا عندما سننجح في ذلك سيجد الحزب نفسه معزولاً وينقطع عنه الدَّعم اللوجستي والمالي وبالتالي سيجد نفسه ضعيفاَ منهكاَ وبالتالي تسهل عملية تحييده وفرض شروط استسلام قاسية عليه يجب عليه قبولهاَ ضمنياً وإلاَّ كان مصيره التَّدمير الكامل وكان لدخول حزب الله الخبير في حروب العصابات إلى ساحة القتال السوري،والذي اخلط هذه الحسابات وضرب بالدِّراسات والأبحاث الإسرائيلية عرض الحائط. - وقد كان لتدخله نتيجة ايجابية في إمداد الجيش السوري بالخبرات القتالية اللازمة لمواجهة حرب العصابات التي اعتمدتها التَّنظيمات المسلحة التي تقاتل على الأراضي السورية والتي تهيمن عليها فصائل المعارضة الإسلامية منذ عامين ونصف تقريباً.وتتغير التحالفات بين فصائلها ومجموعاتها وفقا لمصالحها وإمكانياتها على الأرض وأهمها "داعش،والنصرة،وجيش المجاهدين،والجبهة الإسلامية والقيادة العسكرية العلياً"،ولا ننسى "دور جبهة ثوار سوريا بالإضافة إلى فصائل الجيش الحر،وأحرار الشام "وغيرها من التَنظيمات التي من المعروف أنها تتلقى دعماً غربياً وإقليمياً وعربياً هاماً وكبيراً جداً وقوات التحالف الدولي في سوريا بدل أن تقوم بقصف تنظيمات كداعش والنصرة التي تصنفها بأنها إرهابية.فإنها تقوم في المقابل باستهداف عناصر حزب الله والجيش السوري وتوقفت عن ذلك بعد أن أصبحت روسيا العدو اللَدود للغرب الامبريالي الاستعماري تاريخيا قائدة الاوركسترا في سوريا،وفي ظلِّ التَّقدم الملحوظ لحزب الله وحلفاءه في سوريا وسيطرتهم على مناطق واسعة.فإنَ هذا سيكون له بالتَّأكيد انعكاسات ايجابية على العديدِ من الملفات في المنطقة ولبنان،فهل سيوظف الحزب هذه الانتصارات للتعامل مع جملة من التحديات الأمنية والسياسية في المنطقة؟ وعلى رأسها التَّهديد الإسرائيلي أم انه لن يخرج عن السَّياسات المرسومة لمحوره،قبل حلفاءه الاستراتيجيين في المنطقة؟ 
*كاتب جزائري