2025-05-21 10:42 ص

سوريا: ثور أبيض أبى أن يُذبح

2016-12-14
بقلم: السيد شبل
لأني لا أحسن ترتيل الشعر للمنتصرين، لذا كنت أنوي تمرير مناسبة استعادة الجيش العربي السوري لحلب، دون مباركة.. وكنت أجهز كلامًا آخر، أحلم فيه بسورية (وليس غيرها مؤهل اليوم)، تقود محورًا عربيًا جديدًا للصمود، يصارع المحور الخليجي ومحور "الاعتدال" ويعيد للغة الرسمية العربية الكلام الذي يعتبرونه "خشبيًا"، وهو المتعلق بالتصدي لمنظومة النهب الغربية وقاعدتها المغروسة كخنجر في أرضنا "إسرائيل"، وأن تخرج سورية من أزمتها، عارفة أن أعداءها لن يتهاونوا في إسقاطها، وأن محيطها العربي هو المدخل الذي يأتونها منه، وليس أمامها خيار سوى الاندماح فيه، والاشتباك معه، وأنها يجب أن تذهب دومًا لآخر ما في السقف فيما يتعلق بالمقاومة، لأنها في كل الأحوال مستهدفة، وهي لا يمكن لها أن تسالم من أذاقوها المرعلى مدى خمسة أعوام أبدًا!. لكن إعلام البترودولار، الذي أدمن، قلب الأحداث وانتزاعها من سياقها، والتجارة بالدم والآلام، يستفزنا، ويشركنا رغمًا عنّا في الحدث، حين يطرح حديثًا حول "معاناة أهل حلب".. وهي حقيقية.. لكن مسبباتها التي يعرضها "البترودولار" مزيفة، وهنا يتضح "الغرض" حين يستجلب متابعه من مدخل "إنساني" ثم يرميه في المعسكر الخطأ، الذي يريده هو ويريده ممولوه. لذا علينا أن نجيب لماذا عانَت حلب؟ الحقيقة أن سوريا كلها وليست حلب (المدينة الصناعية الأولى في البلاد قبل 2011)، وحدها، تعاني.. ولكن ما السبب؟ علينا أن نعود للتاريخ، لنعرف أن سبب المعاناة في الأساس هو قرار الاستهداف الغربي الذي صدر في ظل إدارة جورج بوش في اجتماع كامب دبفيد بـ 15 سبتمبر 2001، الاستهداف كان مبيتا، وكانت دمشق هي المعدة لتلي بغداد بعد 2003 (بغداد التي تم احتلالها بفضل قواعد قطر والبحرين والتسهيلات الكويتية وتعاون بني سعود ثم دعم مبارك اللوجيتسي والسماح للقطع البحربية بالعبور من قناة السويس)، لكن السيناريو تعطل بسبب بسالة المقاومة العراقية ( المقاومة التي أغاصت أقدام الأمريكان في الوحل) والتي تلقت دعما (بضرف النظر عن مرجعياتها) من النظام بسورية، ثم قدم محمود نجادي الدعم لعدد من فصائلها تحديدا منذ 2006. هذا هو السيناريو الأساس لما يحدث (إرادة الهدم الغربية)، والعقاب على السلاح الذي تم تمريره لحزب الله كي يحرر الجنوب في 2000، ويصمد في حرب 2006، والتأديب بسبب الصواريخ التي كانت تذهب إلى فصائل المقاومة بغزة، والقصاص من النظام الذي لا يزال ممسكًا بخيار رفض التطبيع، ولا يزال إعلامه يسمي "إسرئيل" بـ"العدو"، ولا تجمعه به سفارات ولا اتفاقات ولا مكاتب تجارية (هنا أصل الحكاية، ومنبتها). نعود فنقول، الحراك في بدايات 2011، في مهده كان عفويا محكوما بأوضاع اقتصادية "مخلخلة" بسبب النهج الليبرالي الذي تبناه عبدالله الدردري (نائب رئيس الوزراء في الملف الاقتصادي، وأحد المفضلين لدى البنك الدولي، والذي قفز من المركب بسرعة، بل كان اسمه مطروحًا، حتى، لقيادة الثورة، رغم أنه كان العنصر السيء فعلا في هذا النظام!!!)، المهم أن الحراك انبنى على غضب من أحوال اقتصادية، ولا شك أن هناك من طمحوا في توسيع مساحة الحريات (الحقيقة أنه كان بالأكثر - لدى الشباب السوري- محكوما بحالتي مصر وتونس.. والرغبة في الثورة كثورة - كحالة نفسية تريد تمزيق الجمود وترغب في التجديد كهدف في ذاته). لكن هذا " العفوي" حتى لم يخلو من نفس طائفي عدواني وكانت "روائح" التسلّف العفنة تفوح منه، ولم يكن النظام في سورية بريئا تماما من السماح للفكر الوهابي من الانتشار (وإن بسقف) بسبب علاقاته التي كانت قد قويت (بنسبة) مع ملوك السعودية، الأمن كان قاسيا، والحراك كان صبيانيا أحيانا وملوثا أيضا.. لكن ما سيلي هذه اللحظة، ليس كما قبله.. لأنه بعد هنا (بعد الأسابيع الأولى من الحراك)، لم يعد جماهيريا ولم يعد عفويا ولم يعد وطنيا أو اقتصاديا أو «حرياتيا».. لأن أطرافا أخرى خارجية، بدأت تقفز على الحراك، ولم تمتطيه فقط، بل اختطفته تماما.. حتى ما عادت هناك مساحة مشتركة مع ما سبق.. هنا كان الناتو يقصف ليبيا، ويهدمها ويهدها وينفيها من التاريخ، وكان السيناريو معدا بالضبط للتكرار مع سورية، لكن الامتناع الروسي والصيني عن تأييد قرار قصف ليبيا (بسبب أن قرار ليبيا كان محوّلا أصلا من الجامعة العربية بدفع خليجي عنيف)، تطور إلى فيتو حجب التدخل الخارجي ( بالمناسبة لماذا لا يبكي أحد الدماء الليبية أو العراقية اليوم، وهي كثيرة جدا للعلم، ويوميّة.. وبالمناسبة أيضًا هناك بخلاف قتلى القصف السعودي، 92 ألف يمني تسبب القصف والألغام في إعاقتهم، لماذا لا يذكرهم أحد أو يبكيهم؟!). من هنا، عرف المعسكر الأورو أمريكي، ان التدخل المباشر لن يمر، بسهولة، وعليه استعان بالخطة البديلة، خطته التي مارسها في أفغانستان ودول القوقاز أحيانًا، واستعاض عن تدخله المباشر، بجلب المرتزقة، وطوّف الصراع (جعله طائفيًا) ومذهبه، واستعاض عن الزي العسكري بزي الدواعش ورجال النصرة وأفراد الجيش الحر.. كان جون ماكين وهنري ليفي ورجال الدولة الفرنسيين الطامعين في إعادة احتلال سوريا (وإعاة عجلات الزمن وراء 1946) حاضرين جدا في المشهد، وخطط التقسيم كانت حاضرة أكثر، ومعلنة وصريحة.. وكانت صور ماكين مع أفراد " المعارضة" تخزوق العيون. بدأ التسليح، وتشابك الخليج وبدأت جولات حمد بن جاسم ومخططات بندر بن سلطان الذي تولى المخابرات السعودية في 2012 ( وهو بالمناسبة سفير السعودية بأمريكا لأكثر من 20 سنة من 1983 إلى 2005)، وكان بندر على يمين "اوباما" نفسه يمد يده للصقور داخل إدارته، ويستحثهم بصرف النظر عن رخاوة "أوباما" نحو التدخل المباشر والعنيف (للعلم أيضًا، أوباما لم يكن متأخرًا عن التدخل وفي أواسط 2013، كان القصف على وشك، لولا أن حلف فيه الصين وروسيا وإيران كشّر عن أنيابه!). ثورة تنادي بالحرية والاستقلال تتلقى دعما من أمراء قطر وملوك السعودية؟!. بالتزامن، بدأت أحلام أردوغان التوسعية في البروز، وحلم بتوسيع حدوده الجنوبية ( وأردوغان كان من أقرب الناس للنظام السوري قبل الحدث).. بدأ هو الآخر في رسم أطماعه الامبراطورية، بالشكل الذي يؤمّن له تحجيم الأكراد ونهب حلب ولا يتعارض في الوقت ذاته مع " الناتو" الذي هو جزء أساسي منه ويده في الشرق. أين الشعب السوري إذن؟ كانت السبع بحرات في 2011 (التي احتشد فيها ملايين السوريين) كافية لنعرف منها أين يقف الشعب الذي اختار دولته ونظامه - على مافيه- ضد مؤامرة تريد نفيه تماما، وبدأ الجيش (الذي يمثّل السوريين جميعهم، بحكم التجنيد الإجباري، بتركيبهم المذهبي الذي يجعل السنة أكثر من 65