أثار الاتصال الهاتفي بين رئيس الجمهورية التونسية الباجي قائد السبسي والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تساؤلات عدة حول حقيقة ما دار بينهما من حديث سيما وأن الاتصال جاء على خلفية القرار الألماني بترحيل كل المهاجرين غير الشرعيين بما في ذلك التونسيين وعدد من الجنسيات الأخرى اثر عملية برلين الإرهابية والتي قادها احد التونسيين .
ويأتي الموقف بعد أن استقبلت المانيا اكبر عدد من المهاجرين في إطار ما اصطلح على تسميته بأزمة اللاجئين السوريين اثر التطورات العسكرية في الحرب بسوريا لتشكل ثاني أكبر هجرة جماعية في التاريخ حيث شملت نحو 4.8 مليون مهاجر حسب إحصائيات المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة.
وإذ يبدو الموقف الألماني حين دعت دول الاتحاد الاوروبي لاستقبال اللاجئين موقفا إنسانيا أين حشدت له كل الإمكانيات،إلا أن الأمر لم ينجح لأسباب اجتماعية وأمنية واقتصادية ليتخذ الأوروبيون قرارهم بإبعاد اللاجئين غير المرغوب فيهم وإعادتهم إلى بلدانهم أو إلى أقرب نقطة تجميعية شرط أن تكون خارج أوروبا.
ومن بين المقترحات المقدمة من قبل المستشارة الألمانية أن «تحتضن» تونس تدفق المهاجرين غير الشرعيين من التونسيين في مرحلة أولى على أن تقوم السلطات الأوروبية ومفوضية اللاجئين بالأمم المتحدة على إقناع الجهات التونسية باستقبال بقية اللاجئين مع تخصيص مساعدات لفائدة الوافدين الجدد.
وقد طرح هذا الموقف عدة أسئلة حول واقع القادمين بما يعنيه ذلك ما هي الضمانات حتى لا يتحول القادمون من مختلف الدول الأوروبية إلى قنابل موقوتة على الأراضي التونسية؟ ما هي الإجراءات لمنع تسرب قيادات داعشية وسط زحمة العائدين؟ هل تستطيع الدولة التونسية مجابهة تحمل الأعباء الاقتصادية والاجتماعية لهؤلاء والحال أننا نعيش على وقع أزمة اقتصادية ومالية خانقة؟
حاولت مؤسسة رئاسة الجمهورية التقليل من وقع الاتصال الهاتفي الذي جمع بين رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي والمستشارة الألمانية بخصوص حادثة برلين وسعى مكتب الإعلام والتوثيق إلى إخراج الاتصال في قالب «ديبلوماسي لين» والواقع أن الاتصال ووفقا لتقارير إخبارية ألمانية كان «حادا» حيث نقلت مثلا Dertelegraph أن «المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أبلغت الرئيس الباجي قائد السبسي خلال محادثة هاتفية بأن حكومتها تريد تسريع وتيرة ترحيل طالبي اللجوء المرفوضين وزيادة عدد المطرودين».
وقد أثار غياب هذا الجزء من المحادثة عدة أسئلة حول أسباب هذا التعتيم والاكتفاء فقط بالجزء «الديبلوماسي» وترويجه دون غيره.
وكانت الرئاسة قد نشرت « إن قائد السبسي تلقى اتصالا هاتفيا من المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تناول بالخصوص علاقات الصداقة والتعاون القائمة بين تونس وألمانيا وسبل مزيد دعمها وتعزيزها في كافة المجالات، إضافة إلى مستجدات الأوضاع على الساحتين الإقليمية والدولية.
وتم الاتفاق بين رئيس الجمهورية التونسية والمستشارة الألمانية على تبادل الزيارات بين كبار المسؤولين لمزيد دفع نسق التعاون بين البلدين، حيث يؤدّي رئيس الحكومة يوسف الشاهد زيارة عمل إلى برلين مطلع العام المقبل، تليها زيارة للمستشارة أنجيلا ميركل إلى تونس خلال الثلاثي الأول من سنة 2017، وفق ما جاء في نص البيان.
ويأتي الموقف الألماني للتخلص من كل المهاجرين غير الشرعيين وإعادتهم إلى تونس كمحاولة منهم لإبعاد «مشتبهين» يمكن أن يكونوا في أي لحظة مصدر خطر على أوروبا.
وفي واقع الأمر فان دعوة «طرد» التونسيين من ألمانيا التي استقبلت في وقت سابق عدد هام منهم تتزامن مع «عودة» محتملة للدواعش من بؤر التوتر في العراق وسوريا بعد تحرير الموصل.
ولعل الخوف كل الخوف أن يكون ما أعلن عنه من مساعدات واستثمارات خلال مؤتمر الاستثمار في تونس ما هو إلا «ثمن» لتتحول بلادنا إلى ارض للنفايات الداعشية خاصة وذلك يتطابق زمنيا مع تصريحات كل من رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي الذي لا «يرى» مانعا في أن يعود «هؤلاء» إلى تونس وهو ذات الموقف الذي أعلنه رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي حين قال:»لا نستطيع أن نفرض التونسيين على الدول الأخرى فالعالم اليوم مقسم إلي جنسيات وهؤلاء يحملون الجنسية التونسية مارسوا نوعا من العقوق لهذا البلد الذي كبروا فيه وتنكروا له ومارسوا ضده العنف وأساؤوا إلى سمعته بالخارج فينبغي أن نتعامل مع هذا المرض بجدية وأن نتحمل مسؤولياتنا إزاءه».
المصدر: صحيفة "الصباح" التونسية