جلس الجعفري في قاعة واحدة مع وفد المعارضة السورية المسلحة، وبعيداً من جملة التشنجات التي سادت الأجواء وسواء أجرت المحادثات عبر وسيط أو من دونه، المهم روسياً " الجلوس معاً " إيذاناً بإسدال الستارة عن المنتج السياسي الذي صنعته الأيادي الروسية، بالمقابل تواردت جملة من الرسائل الأميركية وبعد أربعة أيام فقط من تسلم ترامب، هذه الرسائل التي أقل مايمكن أن تبعثه هي صيغة سياسية " غزلية " تبلور جدية ماكان قد طرحه ترامب لجهة اولوية مكافحة الإرهاب، إذ عبر البيت الأبيض عن انفتاح الرئيس الجديد على عملية قتالية مشتركة مع روسيا لمواجهة داعش تمخضت عن تزويد واشنطن لروسيا بإحداثيات لمواقع داعش في سورية، وهي نقطة الخلاف الرئيسة التي لطالما ظلت عالقة بين موسكو وإدارة أوباما، قبلها تم الاعلان أميركياً وعلى لسان المتحدث باسم الخارجية مارك تونر عن الانشغال بتنصيب ترامب واقتصار التمثيل الأميركي في أستانة على سفير واشنطن في كازاخستان مع التمني بنجاح الحل السياسي السوري على قاعدة سورية موحدة وأكثر تمثيلاً، كل ذلك كان من الضرورة بمكان أن يضيّق على التركي الاستثمار في " الاستراحة " السياسية في أستانة، إذ خالف مضمون الرسائل الأميركية ولو على المدى القليل المنظور وقلل من تقلبات محتملة لأردوغان، إذ سارعت أنقرة لاعتبار الاصرار على رحيل الأسد أمر غير واقعي.
ربما مايميز الأستانة عن غيرها هو نجاح الروسي في رسم ملامح منتجه السياسي بعيداً من أي " حبر " تغدقه أقلام الأطراف الإقليمية وحتى القلم الأروبي " بعظمته "، تلك الأطراف التي كانت فاعلة ومؤثرة في يوميات الميدان السوري، وتحديداً السعودي الذي يجد نفسه بين حدين أقلهما حدة يسلخ المملكة عن أي دور فاعل في المشهد الإقليمي، وتالياً الوقوع بطبيعة الحال بين نارين، الأولى غياب القدرة التأثيرية وتبددها عن أي سلوك تصعيدي سعودي، ولاسيما بعد رسائل ترامب، والثانية تجعل من المملكة متهماً رئيساً سيشار له بالبنان في حال الإقدام على تثقيل الوزن التسليحي للفصائل المسلحة التي هي خارج قوسي الأستانة.
غزل ترامب لروسيا سيمهد الأرضية الصلبة لانطلاقة سياسية قوية في جنيف، وأخرى عسكرية على الأرض ولكن المؤكد أن أثماناً عدة ستحصدها " الجيوب الإسرائيلية" مما تمضي روسيا في صياغته في المشهد السوري، والتحول الأميركي سيُصرف عاجلاً أم آجلاً في جبهة الجنوب السوري، إذ عبرت صحف إسرائيلية عن أن المشكلة الإسرائيلية الرئيسة لا تكمن في الاتفاق النووي مع إيران، إنما بتواجد هذه الأخيرة وذراعها العسكري حزب الله بالقرب من الجولان، الأمر الذي يهيء لجبهة ضغط إضافية على الإسرائيلي وهو ماسيتصدره الروسي لمعالجته وربما إزالته بالكامل.
* كاتب صحفي فلسطيني مقيم في ألمانيا
Dr.mbkr83@gmail.com