ان تتخندق وتنحاز فهو انساني، وسياسي وايضا اخلاقي ولكن اجتماع الثلاثة يكون مشروطا.
فالانساني هو نزوع بشري طبيعي دافعه الهوى، ويتطور هذا الهوى ليصبح مبدأ بعد الاطلاع والمعرفة والفرز، فاما ان يصر عليه البشر لو توافق مع القيم والمثل فتثبت صحة البوصلة الفطرية ويتحول من هوى الى معتنق، واما ان يثبت تناقضه فيتخلى الانسان عنه كرها ليعلي من قيمة المبدأ على الهوى او يتبع زيفه ويستمر في غيه وهو يعلم هذا التناقض فيكون منحازا صراحة وعمدا للهوى...ولو امتد الخيط لآخره لوصلنا الى شياطين الانس الذين يصيغون الباطل والهوى باعتباره القيمة والمثال وهو موضوع آخر.
اما السياسي، فاي عمل سياسي لا يتخذ شكل التكتل والتنظيم فهو لا يحمل لقب السياسة والشرط الاول للعمل السياسي هو التحزب لكي يصبح التوجه السياسي والقيمة لها وزن عددي اضافة الى القوى الاخرى المادية التي يمتلكها هذا العدد سواء امكانات مالية او عسكرية او حشد جماهيري مما يجعله طرف وازن في معادلات السياسة.
اما الانحياز الاخلاقي فهو انحياز لمبدأ لا لرجال وبوصلته الاخلاق والقيم والمثل حتى لو تعارضت مع الصالح الشخصي.
قد يجتمع الانحياز الانساني مع السياسي ولا يشترط ان يكون اخلاقيا...وهو ما نراه في طبقات واحزاب المصالح البراجماتية.
وقد يجتمع الانحياز الانساني مع الاخلاقي ولا يشترط ان يكون سياسيا وهو مانراه في بعض المفكرين والفلاسفة والمثقفين الفرادى الغير متكتلين او الرافضين للسياسة من حيث المبدأ.
وقد يجتمع الثلاثة في حالات فريدة لا نراها حقا الا في حركات المقاومة وهي منتشرة بكثرة في الحركات اليسارية والمقاومة الاسلامية ويمكن ان نقول حصرا في حزب الله اللبناني.
قد كان الامل معقودا على حركة المقاومة الاسلامية الفلسطينية "حماس" الا ان الانحياز الاخواني غلب على الانحيازات المبدئية فغلب الهوى على المبدأ لتتحول الى النوع المزيج من الانساني والسياسي البراجماتي مفتقدة البعد الاخلاقي برغم ماقدمته من تضحيات حقيقية .
الا ان نموذج حزب الله يقترب من الحالة الفريدة الملتزمة اخلاقيا برغم انها تعمل بالسياسة الا ان تورطها في التفريط في الجوانب الاخلاقية يحتاج الى دليل لا يستطيع احد تقديمه الا اتهامها بالانحياز المذهبي "التشيع" وهو ليس تهمة اخلاقية الا اذا تعارض مع القيم والمثل والثوابت ولكن ما نراه انه دافع اصيل للتمسك بالقيم والثوابت حيث يحرص على النقاء الاسلامي الجوهري والجوانب الاخلاقية المجردة للنبي الاكرم وال بيته لدرجة تقترب من المثالية التي قد تكون بموازين السياسة عيوبا سياسية لانها تفتقد الكثير من اليات السياسة المعتمدة على الخداع والتآمر والمرونة في التحالفات وتغييرها والتي تعتمد فقط على المصالح كبوصلة رئيسية له، وهو ما نراه بعيدا عن ممارسات حزب الله.
وما نعيبه على حماس والاخوان ليس انها حركات دينية ولا تعاب لان مذهبها "السني" يحض على المصالح دون القيم، وانما التنظيم نفسه نجده متاجرا بالدين حيث تتناقض ممارساته مع شعاراته وهو عيب تنظيمي لا مذهبي ولا ديني.
وهناك حركات يسارية لم ترفع يوما شعارا دينيا بل قد تكون ملحدة ولكن بوصلتها لم تنحرف عن الانحياز للمستضعفين وقدمت تضحيات حقيقية لمقاومة الهيمنة ولاقامة العدل، وما هو عربي منها ضرب مثلا رائعة في مقاومة الصهاينة وقدم ابطالا انغماسيين استطاعوا تنفيذ افضل العمليات النوعية وكانت بوصلتهم القضية ومعاداة الصهاينة وهدفهم التحرير.
هذه المقدمات انظرية التي طالت بعض الشئ، نرى انه من الواجب القاء الضوء عليها في المرحلة الحالية والتي تشهد اعادة تشكل لوعي جديد بعد ان وصلت مراحل الخداع الاستراتيجي منذ كامب ديفيد لنهاياتها ونرى اننا في مرحلة مفصلية تنتهي معها مرحلة ميعت الصراع ورفعت من قدر قيمة ومثل عظيم هو "السلام" على حساب قيمة ومثل عظيم اخر هو "الجهاد" لاسترداد الحقوق وقيمة ومثل اعظم هو "العدل".
وضعت المرحلة السابقة باشتراك كيسنجر وفيصل والسادات كمنفذين وابطال للمشهد هذه القيم العظيمة في تناقض مربك للجماهير وميعت الصراع وحرفته كمقدمة لنقلة اخرى في ذات المرحلة حولت الصراع الى صراعات داخلية عربية عربية وعربية اسلامية، وصولا لهدف المرحلة وهو الصراع المذهبي والعرقي بهدف التفتيت وتغيير خارطة المنطقة لصالح العدو الصهيوني ولصالح شركات العولمة العابرة للجنسيات سواء النفط او السلاح او حتى الشركات الاستهلاكية التي كما تقتات على الصراعات فهي تقتات على الفشل الاقتصادي.
هذه المرحلة وصلت لنهايتها بشبه نجاح لبلوغ الهدف حيث الصراع "السني الشيعي" وصل لمعارك حقيقية على الارض ووصل لمراحل نجاح جزئية في نفوس الجماهير بفعل الضغط الاعلامي والمنابر الدينية المرتزقة ويراد تتويجه بحلف عربي "سني" على غرار "الناتو" لمواجهة المحور "الشيعي" .
وربما لان امريكا على راسها ادارة غير منحازة للعولمة فلن تعبأ الا بمصالحها المباشرة فستكون على نمط الاستعمار الكلاسيكي المسيطر بوضع اليد لا بالضرورة عبر الوكالة معتمدة على شرطي للمنطقة، وهو ما يفسر تقاربها الحميم ورهانها على مصر وما يتطلبه ذلك من سلام دافئ لمواجهة المحور الاخر بعد ان مهدت المرحلة السابقة للمعسكرات التي يراد لها التقاتل.
يبدو ان روسيا تفطن لذلك فلم تتمحور سوفيتيا ونرى صفقاتها مع قطر وتركيا وتفاهمات لها مع السعودية وهي ترى بعينها صفقات لمصر مع اوكرانيا وتقرب مصري مبالغ فيه مع ترامب...نحن في مرحلة مشابهة لما بعد الحرب العالمية الثانية واتفاقات تقاسم النفوذ ونحو مؤتمر يالطا جديد خاص بسوريا لا المانيا النازية هذه المرة، وان لم تتم التفاهمات سينتقل العالم لخطة ب..وهي مرحلة ماقبل الحرب العالمية والتي تنذر بحرب ثالثة، والجميع يتهيبونها.
الرجل المريض للعالم هذه المرة هو الوطن العربي..وان لم تلتزم القوى الحية الممثلة في المقاومة ببوصلتها فستكون احدى المقسمات وستخضع لتوزيع النفوذ وستتورط في معارك اخرى غير المعركة الرئيسية والوجودية مع العدو.
امام المقاومة سيناريوهين: الاول هو المهادنة باسم الوحدة العربية والاسلامية وتحت دعوى عدم اعطاء الفرصة للاعداء وعمل تقارب مع السعودية تحت زعم الاخوة ونرى في هذا السيناريو مقتل المقاومة وانه مساعدة للطابور الصهيوني الخامس على لملمة قواه ومعاودة الكرة وستكون هناك حربا اخرى على المقاومة اشد وطأة.
والسيناريو الاخر وهو ما نتبناه وندعو اليه وهو عدم المهادنة ومقاطعة التكفيريين والرجعيين وعلى رأسهم السعودية وتعريتها وفضحها وكشف انها سهما في خاصرة الامة ووحدتها والتكاتف والوحدة مع كل التيارات المناهضة للتكفير والرجعية سواء كانت يسارية شيوعية او ناصرية او حتى ليبرالية وطنية للخلاص من هذا الكابوس الجاثم على الامة.
ان شعار الوحدة الاسلامية كم ارتكب من الاخطاء لانه عطاء لمن لا يستحق ولمن يناور ويستغله لاضعاف المقاومة وبالتالي هو " صناعة معروف في غير اهله".
والوحدة العربية والاسلامية الحقيقية تبدأ من القضاء على الطابور الخامس الذي يفتتها عمدا.
فلتكن وحدة بين كل دعاة الانسانية والاخلاقية ايا كان انتماؤهم الحزبي ولافتتهم السياسية ضد الرجعية وضد العملاء ولا داعي لتجريب المجرب فهو عبث.
نداء للمقاومة...نربأ بكم عن تجريب المجرب!
2017-01-28
بقلم: إيهاب شوقي