في ظلِّ صمت دولي وأممي مطبق وغير مفهوم، تستمر معاناة مسلمي الروهينغا على يد الجيش البورمي المجرم، والذي ارتكب من الجرائم والفظائع الموثقة ما يندى له جبين الإنسانية جمعاء، وهذه المرة في ولاية راخين الشمالية، حيث أدت عمليات الإبادة الجماعية لسُّكان هناك إلى فرار أزيد من 600 ألف منهم إلى بنغلادش، وحسب بيان لمنظمة هيومن رايتس وتش فإن الكثير من النساء والفتيات القاطنات بتلك المدينة قد تعرضن للاغتصاب الوحشي وبالقوة، ومن ثمَّ قتلهن والتنكيل بجثثهن، وتركن في العراء لتأكلها لحيوانات المفترسة، وتمَّ قتل كل عائلات هؤلاء الفتيات المغتصبات ودون رحمة أو شفقة وأمام أعينهن، بالإضافة إلى أن أعداداً منهن قد عانين من الإجهاد الشديد وتمزق في أعضائهن التناسلية وهن يعبرن الحدود نحو الجارة بنغلاديش، فهذه الجرائم التي ترقى إلى جرائم إبادة جماعية بحسب المواثيق والقوانين الدولية تبقى دون ردع أو عقاب مما يشجع السلطات العسكرية في بورما على التفنن في تنويع أساليب القتل، والتنكيل بهؤلاء بمباركة دول إقليمية أسيوية كبرى لها مصالح اقتصادية وسياسية مشتركة مع الدولة البورمية، وتتشارك معها في الكثير من الموروثات الحضارية والدينية المتجانسة مع بعضها البعض.
وبحسب أقوال الباحثة والمهتمة بحقوق الإنسان الدولية، سكاي ويلر فإن الاغتصاب كان السَّمة البارزة والمدمرة في حملة التطهير العرقي، التي قام بها الجيش البورمي ضدَّ أقلية الروهينغا المسلمة، فهذه الحملات المنظمة التي قام بها الجنود والضباط في بورما خلف أضراراً جسدية ونفسية ربما لن تزول أبداً، لأن النساء والفتيات اللواتي تعرض لعمليات الاغتصاب يبقين في العادة منغلقات على ذواتهن، ويرفضن الاحتكاك بالمجتمع أو ممارسة حياتهن بشكل طبيعي في المستقبل، وتشير الإحصائيات والأرقام المتوفرة بأنَّ هناك أكثر من 200 ألف من أقلية الروهينغا قد تمَّ قتلهم في 50 سنة الماضية، وبأوامر من المعبد البوذي الرئيسي هناك، فالجهات الأممية التي لا تزال تماطل حتى اللحظة في التحرك تعرف ذلك جيداً، ولكنها تفضل تناسى آلامهم ومعاناتهم والتركيز على قضايا دولية هامشية ، وحتى السيِّدة باميلا باتن المسئولة الكبيرة في الأمم المتحدة، والتي قالت بأنها ستدون قضية اضطهاد الروهينغا في محكمة الجنايات الدولية، وبأنها سوف تطالب بمحاسبة المسئولين السياسيين والعسكريين في بورما، بتهم الإبادة الجماعية وارتكاب مجازر ضدَّ الإنسانية، تعرف بأنها لن تستطيع فعل الكثير لمساعدتهم، مادام أن هناك قراراً دولياً قد اتخذ فيما يبدو بالاستمرار في حماية ما يرتكبه البورميون ضدَّ الروهينغا من مجازر، فهي لن تستطيع لوحدها فعل شيء، هذا أن كانت نياتها صادقة لمساعدتهم فعلاً، فهي لحدِّ الساعة قد عجزت عن توفير حوالي 10 مليون دولار قد طالبت المجتمع الدولي بتوفيرها، لتخفيف الضغط على حكومة بنغلاديش التي تتكفل بالنازحين من مناطق الإبادة الجماعية الذين فروا منها نجاة بأنفسهم أموالهم وأرواحهم، فالجيش البورمي الذي حول الكثير من سجناء الروهينغا إلى حقل تجارب بشرية لأبحاثه السرية، ومارس أبشع أنواع العبودية الجنسية والقسرية ضدهم، لن يسمح بأن تتحول قضيتهم إلى قضية إنسانية دولية، مادام أن رئيسة وزرائه التي رفضت جائزة نوبل حجب الجائزة عنها، أون سان سو تشي التي منحتها لها سنة1991 كما طالبت بذلك منظمة المؤتمر الإسلامي متمثلة في مديرها العام فضيلة الدكتور عبد العزيز بن عثمان التويجري لأنها تصمت بل تشارك في التحريض على ارتكاب المزيد من جرائم الإبادة البشعة ضدَّ أقلية الروهينغا المسلمة، فرئيسة وزراء مينامار بالرغم كل الفظائع التي حدثت ضدَّ مواطنيها من الروهينغا، إلا أنها وفي كل خرجاتها الإعلامية أو زياراتها الدبلوماسية تؤكد على وقوفها إلى جانب الجيش البورمي الوطني كما تصفه في وجه العصابات الإرهابية الخارجة عن القانون في بورما، والعجيب في الأمر أن الكثير من زعماء الدول الأسيوية أو الغربية يؤيدونها علناَ أو بالتزامهم الصمت على تلك الجرائم الدموية، وللأسف تستمر معاناة أقلية الروهينغا في بورما والعالم أجمع يتفرج على آلامهم وذبحهم، كما تفرج من قبل على مآسي كل المسلمين في بقاع المعمورة، وكأنهم ليسوا بشراً، فدمائنا قد تحولت إلى لون الماء عند هؤلاء القوم، لا رائحة ولا طعم ولا لون لها، وبالتالي لا قيمة لها أصلاً في الميزان الإنساني البشري عندهم.
*كاتب جزائري