بقلم: نبيه البرجي
من سنوات، حذّرنا المؤرخ الفرنسي اندريه ميكيل من أننا قد نستفيق ذات يوم ولا نجد حولنا سوى الخراب. باراك أوباما قال لنا... الخراب فيكم!
في جلسة مع سفير بريطاني سابق في بيروت، غداة قرانه من سيدة لبنانية، سأل «اذا فتحت اوروبا واميركا واوقيانيا أبواب الهجرة أمامكم، كم يبقى من العرب فوق هذه المساحة الهائلة (أكثر من 13 مليون كيلومتر مربع)؟
أجبناه «لن يبقى هناك سوى القطط». علّق «كلنا جاهزون للاتيان بالقطط على نفقتنا. نحن نعتبر القطة مواطنة شرف في منازلنا».
من يلتقي بالمراسلين، أو الديبلوماسيين، الأوروبيين، يفاجأ بكمية التشاؤم لديهم. لا أحد من الحكام العرب (شيوخ القبائل) يدري الى أين تمضي بنا لعبة الأمم. بعد الذي جرى ويجري قد تكون بلقنة المقابر...
حين نلعب، نلعب تحت أقدام الأمم. حدقوا في المشهد. رجل دين عاتبني مولولاً لأنني وصفت المنطقة بـ «مهرجان العدم». هدأ بعد حين. طمأنني، ما دام الغيب بين يديه، بان الخلاص على قاب قوسين أو أدنى...
رجل الدين، وكما فهمت، أمام الأركيلة العامرة، لم يترك كلاماً لـ«السلف الصالح» الا وردده ببغائياً. ازددت اقتناعاً بأننا ذاهبون الى ما هو أكثر فظاعة من...العدم!
لن نسأل لماذا لا تعاملنا الولايات المتحدة مثلما تعامل اسرائيل (هل هو سؤال منطقي أيها الرفاق؟). اثر انعقاد المؤتمر اليهودي العالمي في فندق بلتيمور في نيويورك عام1941، امتنع الرئيس فرنكلين روزفلت عن استقبال وفد ينقل اليه توصيات المؤتمر. وكان القرار باختراق جدران البيت الأبيض، وبغزو تلة الكابيتول. هذا ما حصل، اللوبي اليهودي يصنع رؤساء ويطيح رؤساء.
اليهود، على قلتهم، في كل مكان، لا تسألوا عن العرب الذين وضعوا عباءاتهم بتصرف الليدي غاغا. كل ما فعلوه توطيد العلاقات مع السناتور جون ماكين والسناتور لندسي غراهام. الاثنان من كبار الحاخامات قي الكونغرس.
من منا لا يعلم أن باراك اوباما عرض على بنيامين نتنياهو تزويده بطائرات «اف ـ 35» الأكثر تطوراً في المنظومة الأميركية، ومنحه تسهيلات ائتمانية لا حدود لها لقاء وقف الاستيطان لمدة 90 يوماً. رئيس الحكومة الاسرائيلية رفض، وواجه البيت الأبيض.
أكثر من ذلك، فاجأ اوباما بظهوره في الكونغرس حيث استقبل خطابه بعاصفة من التصفيق لم تشهد لها تلة الكابيتول مثيلاً منذ انعقاد الكونغرس القاري الأول عام 1774.
كثيراً ما وصفنا أميركا باسرائيل الكبرى واسرائيل بأميركا الصغرى. هذا بات كلاماً مستهلكاً. في غضون عقود، تحولت اسرائيل الى دولة تكنولوجية من الدرجة الأولى، حتى أنها شاركت في صناعة معدات لـ «حرب النجوم».
اليهود، أو الكثيرون منهم، عاشوا الثورة الصناعية، وتفاعلوا معها حين كان العرب يرزحون تحت النير العثماني، غير أن اليهود تعرضوا للهولوكوست، وأكثرية الذين وفدوا الى فلسطين كانوا يقيمون في أوروبا الشرقية الأقل تقدماً. نسأل أين هم ملايين الخريجين العرب من أهم الجامعات الغربية، وأين «حشروا» بدل أن توضع بين أيديهم الامكانات، وتنتشر معاهد البحث على امتداد القارة العربية. لاحظوا كم نتباهى بعدد المساجد...
الذي حدث أن الأنظمة نجحت في تكديسنا عند أبواب الغيب (أكياس بشرية). للغرب الدنيا وللشرق الآخرة. ألا نستحق شيئاً من الدنيا؟
لا اله أمامنا سوى أميركا. نستغيث بها فقط ليقتل العرب العرب. العرب الذين لا يقراون، وقالها موشى دايان، لا يعلمون، أو يعلمون، ماذا فعل الأميركيون من كوريا الى سوريا، مروراً بفيتنام وأفغانستان والصومال وليبيا والعراق.
لكن اندريه ميكيل تحدث عن «تفاعلات جيولوجية» داخل المجتمعات العربية. هذه نتيجة جدلية للعبة القرن. طريق الجلجلة ليس قصيراً، لكنه يقود، حتماً، الى القيامة. المؤرخ المستعرب لا يعني القيامة بالمعنى اللاهوتي، وقد قتلنا الكثير من الزمن في تلك الغيبوبة على ارصفة... الغيب !
(الديار) اللبنانية