بقلم: د. أنور العقرباوي
منذ أن عرفنا النكبة قبل أن تغدو "نزاعا"، ونحن لانزال حكاما ومحكومين على نفس المنوال، تباعدنا النظرة في الوسيلة عن كيفية الولوج إلى "حل"، بين "واقعيون" يرونه في الإلتزام بما تمليه قرارات "الشرعية الدولية"، ومعنيون من أصحاب المصلحة الحقيقيون يؤكدون فيه على ضرورة إنتزاع الحقوق اللتي لا تنكرها وتعززها الحقائق التاريخية!
وفي الأثناء أرادت القوى المؤثرة على "الرأي العام الدولي" أن ينطلي عليه الإفتراء بأن "النزاع" لا يعدو كونه غير خلاف سياسي وحدودي، حين لم تتورع في إستغفاله عن حقيقة الصراع المصيري والوجودي، اللذي تؤكد عليه آلة البطش الصهيوني من خلال التطهير العرقي المبرمج، ويدفع الشعب الفلسطيني ثمنا له كل يوم بلا إنقطاع!
وبغض النظر عن المسميات والأوصاف من حيث طبيعة النزاع أو الصراع، وبين الواقعية والحقيقة في الوصول إلى حل، فقد اتسعت الفجوة في الثقة اللتي تفصل بين الحاكم والمحكوم على أرض الصراع، وما تلبث أن تكبر حتى يومنا هذا غداة "الماراثون الأممي"، اللذي لم يأتي بشيء من جديد طالما أنه أعاد إستنساخ القديم اللذي لا يلزم ولا يفيد، إلا....وهنا بيت القصيد، من تلك الأنظمة اللتي صورته إنتصارا سياسيا، في الوقت اللذي لم تجرؤ فيه على إتخاذ ولو خطوة واحدة ترقى إلى مستوى الحدث والتحدي!
وفي مجمل الأحوال ومن وجهة نظرنا المتواضعة، فإنه على الرغم من كل التأويلات والمزاعم في إنتزاع الإنتصارات، فإن المنتصر الحقيقي في ذلك الماراثون لم تكن سوى الإدارة الأمريكية الصهيونية، حين تكفلت بحمل العبء في اللوم والإدانة على كاهلها، عوضا عن أزلامها في ضوء ما يفترض أنه كان في إنتظارهم، إزاء عجزهم عن تحقيق ولو اليسير من الخطوات اللتي تحاكي تضحيات شعوبهم، ذلك لو أن السخط والغضب كان قد انصب على عملائها وهو ما تدركه وتحول دونه، لما قدر لتلك الأنظمة البقاء حتى الحين، وربما كنا هنا نتحدث عن مواضيع التنمية والتعليم والإدارة والترفيه الإجتماعي، بدل الحديث عن الإحتلال والتهجير والأسر والقتل المتعمد اليومي، ناهيك عن الجزية والقواعد الإستعمارية الممتدة على طول وعرض دول الإعتدال العربي!
وبعد، فإن اللذي يتوجب على شعوبنا أن تدركه، أنها حينما تكتفي بتوجيه اللعنة على أمريكا فإنما هي بذلك ترحل أساس وأسباب مشكلاتها عن سابق عجز أو جهل، حين تغفل عن حقيقة وكلائها "الواقعيون" من حكام الإنبطاح العرب، اللذين لا يتوانون عن تطبيق سياساتها و مخططاتها، حين يتوجب عليها الحذر وتوجيه اللعنة على الأدوات اللتي استخفت بوعيها دون أن تستثني قبضتها الحديدية، حينما أغفلوا الحقائق التاريخية وفرطوا طوعا في حقوق شعوبهم، من أجل أن يحيا الملك ولو على حساب كرامة ومستقبل الشعب والوطن!كاتب فلسطيني / واشنطن