بقلم: د. نسيب حطيط
للمرة الأولى منذ تأسيسها، تتعرض المقاومة لحرب مباشرة من دولة عربية - شقيقة (إلا إذا استثنينا خطف الإمام الصدر في ليبيا بواسطة معمر القذافي). وتأتي هذه الحرب بعد الهزيمة الأميركية - الصهيونية ضد محور المقاومة في العام 2006، ومن ثم في الحرب العالمية - الماراتونية التي امتدت من العام 2011 وحتى الآن في لبنان وسورية والعراق واليمن ..
هذه الحرب تختلف عن أي حرب مع العدو "الإسرائيلي" أو الغزو الأميركي لناحية الوسائل والمصطلحات والجغرافيا والأهداف، وتقع ضمن دائرة حساسة وخطيرة وصعبة، لأنها تدور "اصطلاحاً" بين أشقاء عرب ومسلمين تُباعد بينهم الجغرافيا والعقيدة والانتماء السياسي، لكنها متداخلة في كثير من القضايا ظاهرياً، ومنقسمة في الباطن في معظم المواقف والصراعات والمحاور، بالإضافة إلى انقلاب الصورة، حيث كان العدو "الإسرائيلي" بشكل خاص يشنّ الحرب فيؤيده بعض العرب سراً، ويتعاطفون مع لبنان علناً، وفي أقصى الحالات يعاتبون المقاومة ويحمّلونها المسؤولية، ويصفون جهادها بـ"المغامرة"؛ كما حدث في حرب تموز 2006، بينما نرى الآن أن السعودية تشنّ الحرب ويؤدها العدو الصهيوني والإدارة الأميركية.
إن من خصوصيات وحساسيات هذه الحرب ما يلي:
1- أنها تنطلق من مبدأ عقائدي وهّابي يكفّر الشيعة ويستحل دماءهم ونساءهم وأموالهم، بالإضافة إلى موقف سياسيي "إسرائيلي" - أميركي يصف المقاومة بالإرهاب .
2- هذه الحرب ستطال كل من يناصر المقاومة؛ شيعة ومسيحيين وسُنة.. وفق تصريحات مسؤول سعودي: "كل من يتحالف مع حزب الله سيتعرّض للعقوبات".
3- ستعمل على إعادة إحياء القوى التي تعاملت مع "إسرائيل" في الحرب الأهلية والاجتياح "الإسرائيلي"، والتي ستشكّل "الجسر" اللوجستي والعملياتي بين العدو "الإسرائيلي" والسعودية، والتي تحتفظ ببنيتها التحتية العسكرية والأمنية والتنظيمية كاملة .
4- اشتعالها في دائرة الصراع المذهبي الذي يغطّي الصراع السياسي ويخدع الجمهور العام؛ كما حصل في "الربيع العربي"؛ عندما دمر "التكفيريون" باسم السُّنة مُدن وقرى السُّنة في العراق وسورية وليبيا واليمن بحجة الدفاع عنهم، مقابل الشيعة الذين دُمِّرت مدنهم وقراهم أيضاً.
5- انتشارها في الجغرافيا العربية - الإسلامية، مما سيؤدي إلى تدميرها وتخريبها؛ كما حصل في "الربيع العربي"، واستطاع تحالف الوهّابية مع أميركا و"إسرائيل" تدمير أربع دول عربية (سورية والعراق واليمن وليبيا) أكثر بعشرات الأضعاف مما ألحقته "إسرائيل" من قتل وتدمير في حروبها مع الدول العربية .
6- تجنيدها بشكل سهل وغير سري، ودون خجل، لسياسيين ورجال دين ووسائل إعلام، عبر العطاءات المالية، لتحشيدهم ضد المقاومة وشيطنتها وحصارها، دون تعرُّض هؤلاء لأي مسائلة قانونية بتهمة العمالة أو الخيانة ..
7- القدرة على استغلال المخيمات الفلسطينية والنازحين السوريين وجماعات عملاء "إسرائيل" في لبنان، وتحشيدهم في تحالف ميداني ضد المقاومة، عبر التحشيد المذهبي والإغراءات المالية، وتأثيرهم الفعال بالقدرة على زعزعة الأمن والتخريب، نتيجة انتشار هؤلاء على كامل الجغرافيا اللبنانية، وداخل مناطق المقاومة .
8- خط المواجهة مع العدو "الإسرائيلي" محدد في الجغرافيا (الحدود الجنوبية)، ومعروف لجهة الوسائل والأسلوب، ويمكن ردعه، لكن الحرب مع السعودية (بالنيابة عن إسرائيل وأميركا) ليس لها خط تماس أو طريق أو مدى زمني، فهي في كل حارة وطريق وتلة وبناية، وبكل الوسائل الناعمة والخشنة وغير المشروعة وغير الدينية أو الأخلاقية، فالمقاومة ستقاتل أشباحاً موجودين على ساحتها، ولن تقاتل جيشاً أو تواجه دبابة أو طائرة معروفة، بل ستواجه طائرات متعددة الجنسيات بلون سعودي، وستقاتل أجهزة المخابرات العالمية بلباس وشعارات سعودية وإسلامية تدعي أنها سُنية !
مواجهة هذه الحرب تختلف عن المواجهة مع العدو من ناحية التنظيم والوسائل، ولا بد من التعامل معها بجدية وتخطيط، وإشراك الجميع في المواجهة؛ كل وفق قدراته وكفاءاته، دون استثناء، فهذه الحرب خطيرة وطويلة، وحرب استنزاف بشعة وقذرة.. فلا نستخف بها، بل علينا الحذر والمواجهة.. دون خوف، فستفشل إن شاء الله تعالى كما فشلت الحروب السابقة.