بقلم: عبدالحميد الهمشري
المسارات السياسية والقانونية لمواجهة المخطط الصهيو أمريكي لتصفية القضية الفلسطينية - االحلقة الخاسسة
الوحدة الوطنية الفلسطينية مطلب شعبي لمواجهة خطر تصفية القضية
*عبدالحميد الهمشري - كاتب وباحث في الشأن الفلسطيني
* المحامي علي أبو حبلة - رئيس تحرير مجلة آفاق الفلسطينية
في ظل تصاعد حدة الخلافات الفلسطينية , وتعرض القيادة الفلسطينية لأبشع حملة إعلامية تستهدف فيه وحدته الوطنية جراء الأجواء المحمومة والتي تحاول استغلالها بدس السم في العسل وصب الزيت على النار مصادر إعلامية محسوبة على جهات تسعى للنيل من وحدة الصف الفلسطيني ومن قضاياه المصيرية ورموزه من مختلف مكوناته ، مستغلة تصريحات تصدر عن هذا الطرف أو ذاك وتحميله المسؤولية عما يعتري وحدة الصف من تشجنات لا تخدم سوى أجندات الأعداء ممن يحاولون التصيد في الماء العكر خاصة بعد التعرض للموقف الأمريكي بالهجوم والنقد اللاذع المنحاز للعدو الصهيوني بالكامل وما تبعه من هجوم لاذع على سفير واشنطن في تل أبيب الصهيوني ديفيد فيردمان ، لمواقفه المعادية للشعب الفلسطيني ومناصرته لدولة الاحتلال وتشريعه للمستوطنات وتماديه في السكن بمستوطنة متحدياً بذلك كافة القوانين والمواثيق والشرائع الدولية وقرارات الأمم المتحدة المتعلقة بهذا الشأن والتي جميعها تعتبر المستوطنات غير شرعية .
في مقابل تلك المواقف المتشنجة هناك موقف مغاير وأصوات إسرائيلية تتعالى محذرة من الحالة التي عليها الوضع الإسرائيلي والتي أبرزها ما ورد مؤخراً في مقالة لرئيس المنظمة العالمية اليهودية رونالد لاودر نشرته صحيفة نيويورك تايمز الذي جاء فيه “ إن إسرائيل التي تحتفل بسبعين عاماً على قيامها هذا العام، تواجه اليوم خطرين كبيرين يهددان وجودها” .
مبيناً “ أن الخطر الأول هو احتمال موت حل الدولتين في ظل حقيقة أن هناك 13 مليون إنسان يعيشون اليوم بين نهر الأردن وشاطئ المتوسط ، نصفهم من الفلسطينيين”.
متابعاً : “ أنه لو ظلت الأمور كما هي عليه اليوم، فإن إسرائيل ستواجه خياراً صعباً : منح الفلسطينيين حقوق المواطنة كاملة وبهذا تنتهي الدولة اليهودية، أو حرمناهم حقوقهم ما ينهي الديمقراطية في إسرائيل ”.
مشدداً لاودر إلى “ أن الخطر الثاني هو من شقين: استسلام إسرائيل للمتطرفين المتدينين واضمحلال العلاقة مع اليهود في العالم ”..
منوهاً إلى أن “ معظم اليهود خارج إسرائيل لا يحظون اليوم باعتراف المؤسسة الدينية الإسرائيلية ، وهؤلاء يشعرون أن إسرائيل التي دعموها مالياً وسياسياً وروحياً قد أدارت ظهرها لهم ”
واسترسل في القول “ أن معظم الشباب اليهودي في العالم علمانيون، وقد بدأ هؤلاء خاصة في الولايات المتحدة الأميركية بإبعاد أنفسهم عن سياسات إسرائيل التي تناقض قيمهم ”.
مختتماً مقاله بالقول : “ إن الحقيقة التي يجب أن يعيها الجميع، هي أن شبح حل الدولة الواحدة والفجوة المتسعة بين إسرائيل ويهود العالم يهددان مستقبل الدولة اليهودية . ”
هذا الإحساس بالخطر الذي يتهدد إسرائيل من قبل الكتاب والمفكرين الإسرائيليين رغم أنهم دخلاء على الأرض الفلسطينية يقابله حالة معاكسة من قبل أصحاب أقلام فلسطينيية أقل ما يمكن القول عنهم أنهم يخدمون أجندات غير وطنية كونهم يسعون لخدمة أجنداتهم الخاصة خدمة لجهات مرتبطين بها تكريساً لحالة الانقسام واستغلال كل صغيرة وكبيرة لنشر بذور الفتنة وتسهم في تمكين روح الخلاف والاختلاف والفساد أن تعبث في الصف الفلسطيني أنى تواجد الفلسطينيون في الوطن وفي الشتات ، والذي من المفترض أنه في حال التعرض لقضيتنا أو محاولة النيل من المؤسسات الفلسطينية ورموزها الوطنية فإن أول شيء يتوجب اتخاذه لمواجهة ذلك هو العمل على توحيد الجبهة الداخلية من مؤسسات رسمية ومنظمات مجتمع مدني ، أحزاب وحركات ... الخ سواء كانت موالية أو معارضة ليتسنى إفشال كافة ما يحاك في العلن أو الخفاء ضد قضيتنا ومؤسساتنا ورموزنا الوطنية للسير بالدولة إلى بر الأمان.
مستفيدين في ذلك ما اعتمدته حركات التحرر العالمية سواء العربية منها أو العالمية، ولنأخذ المثال على ذلك الثورة الجزائرية حين جرى تشكيل جبهة التحرير الجزائرية حيث انخرطت في إطارها جميع الأحزاب والقوى من أجل تحرير الجزائر من الاستعمار الاستيطاني الفرنسي، وكذلك الأمر بالنسبة للثورات العالمية، ففي فيتنام تم تشكيل جبهة واسعة ضمت أيضاً جميع القوى والأحزاب والحركات لمقاومة المستعمر، الأمر الذي ألحق الهزيمة بالدول المستعمرة منها فرنسا وأميركا نفسها رغم القدرة العسكرية الهائلة للدولتين، خاصة أميركا التي استخدمت سياسة الأرض المحروقة في فيتنام، ولكن في النهاية انتصرت الجبهة الوطنية وهزمت أميركا ومن قبلها فرنسا.
وهذا الأمر ينطبق على الثورة الفلسطينية، فعندما كانت تضم في إطارها كافة فصائل العمل الوطني ،كانت وما فيها منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا في كافة أماكن تواجده، ، حققت الكثير من الإنجازات بفعل هذه الوحدة وطبعاً نضالات شعبنا الذي تقوده منظمة التحرير، وأدت هذه الوحدة الفلسطينية إلى اعتراف معظم دول العالم بمنظمة التحرير وكذا الحال بالنسبة للدول العربية، وأرغمت أيضاً إسرائيل «دولة الاحتلال» على الاعتراف بوجود الشعب الفلسطيني، بعد أن كانت تنكر ذلك وعلى لسان قادتها وفي مقدمتهم غولدا مئير رئيسة الوزراء الأسبق وغيرها من قادة الاحتلال الذين أنكروا وجود شعب اسمه الشعب الفلسطيني.
إن ما نشاهده ونعيشه الآن من انقسام وبالُه كان شديداً على القضية والساحة الفلسطينية ودفع لتجرؤ الإدارة الأمريكية على ما أقدمت عليه من اعتراف بالقدس كعاصمة للكيان الصهيوني وشطبها لحق العودة وللتضييق على وكالة الغوث الدولية للضغط معاشياً على اللاجئين الفلسطينيين للقبول بإملااءات الإدارة الأمريكية ، تمهيداً لمحاولاتها التي تفضي إلى شطب شعبنا الفلسطيني من القاموس الدولي وقضيته الوطنية العادلة والمعترف بها عالمياً وهذا أسهم فيه رفض انضمام فصيلين مهمين الانضواء تحت إطار منظمة التحرير ومؤسساتها المختلفة والمهاترات واللغط الكبير الذي يجري على الساحة الفلسطينية ، وكذلك أدى إلى مواصلة الاحتلال لسياساته في الضم والتوسع والأسرلة وإقامة المزيد من المستوطنات، وعدم الاعتراف بحل الدولتين المتعارف عليه دولياً ..
إن هذه المواقف المتشنجة والتي يمكن اعتبارها عبثية مثل حال المفاوضات مع العدو الصهيوني هي ما دفعت بدول عربية للانخراط في المشروع الصهيو أمريكي لصفعة القرن الترامبية.
إن مواجهة هذه المؤامرات التصفوية للقضية الفلسطينية والحقوق الوطنية باتت تتطلب وبصورة ملحة وعاجلة إعادة اللحمة الفلسطينية بتوحيد الصف الفلسطيني وإعادة الاعتبار والدور لمنظمة التحرير وهذا يستلزمه ضغط شعبي صادق النوايا والأهداف ، بدلاً من مواصلة هذا الانقسام البغيض الذي سيدمر شعبنا وقضيته.فوحدة الساحة الفلسطينية والترفع عن المصالح الفئوية والحزبية والشخصية بات ضرورة ملحة لا تحتمل التأجيل أو التأخير في ضوء ما نحن به وما نواجهه من تحديات ومخاطر.
فهل يترفع الكل الفلسطيني على المصالح الخاصة والفئوية والمحاصصة ويضمد الجراح ويعمل من أجل المصلحة الوطنية العليا، أم نبقى كالنعامة التي تدفن رأسها في الرمال ظناً منها أنها تتجاوز العاصفة التي ستميد أرضاً بشعبنا الفلسطيني وبالضربة القاضية التي لا تمكنه من الصمود في وجه العواصف فيكون مآله إلى زوال..
الوحدة الوطنية الفلسطينية مطلب شعبي لمواجهة خطر تصفية القضية
2018-03-30