2025-05-03 12:24 ص

ما بين الوطن والدولة والنظام

2018-10-06
بقلم: حاتم استانبولي
الوطن فكرة( تتراوح ما بين الملزم والطوعي) مرتبطة بالمكان والزمان بما يعنيه المكان من تحقيق للذات وتشكيل وعيه الأنساني وعلاقاته مع محيطه المادي عبر الزمان , لتتحول الفكرة لشكلها المادي لها ملموسيتها واثرها التاريخي . اما الدولة فهي شكل لأدارة العلاقات بين التجمعات البشرية التي ترتبط بمصالح محددة( اثنية او قومية او دينية او ثقافية ) تعبر عن نفسها بعقد اجتماعي (سمي حديثا بالدستور) وتاخذ من المكان حيزا لتحديد حدود تعريف وجودها ومصالحها. النظام هو طريقة لأدارة وتنفيذ النصوص الدستورية وتطويرها بما يتلائم مع التطورات الداخلية والخارجية , ولنجاح النظام يجب ان تكون هنالك قناعة طوعية به من قبل الفئات المنضوية بالعقد الاجتماعي (التشكيلات ألأثنية والقومية والدينية وتمارس قناعاتها بحرية مكفولة بالدستور ومحمية بالقانون) في اطار الدولة ولتاكيد الطوعية في اختيار النظام يجب ان يخضع للأختبار في كل فترة زمنية , فمثلا في دول متقدمة يخضع شكل النظام للأختيار عبر التصويت على شكل النظام ملكي ام جمهوري كل فترة تتعدى 25عاما ناهيك عن الانتظام في إعطاء حيز واسع للخيار الديمقراطي يعزز من ديمقراطية المجتمع. هنالك من يخلط بين هذه المفاهيم : فبالنسبة لهذه الثلاثية فان الثابت هو الوطن فلا يمكن (لبسه او خلعه ) او اعطائه صفة مرتبطة بمكون واحد من مكوناته او تقسيمه عبر اسقاطات ارادية لفرد او فئة. اما النظام فمن الممكن ان يكون قوة دفع ايجابية في التطور تؤدي لتطوير المجتمع (في اطار الدولة) بما يحافظ على الخصائص والحقوق لكافة مكوناته بشرط ان يشكل انعكاسا لتوازن القوى الأجتماعية , او ان يتحول لقوة معيقة لتطوره تضع الأسس لتدميره وتفتيته ويصبح النظام هو اداة تخدم فئة محددة في المجتمع وتضع القوانين والتعليمات التي تؤدي لتغييب او الغاء المكونات الأخرى لذلك فان فصل السلطات الثلاث في الدولة هو موقف حاسم ومقرر في تطور المجتمع . اما عن الأعلام والذي اصبح سلاحا فتاكا فيجب ان يكون حرا من حيث التعبير ويعكس كافة الأتجاهات الأجتماعية وتعبيراتها الأقتصادية والسياسية والثقافية. واهم شرط من شروط نجاح المجتمع ان يكون النظام يعكس المصالح وتوازن القوى الملموسة لكافة مكوناته بما في ذلك ادواته التنفيذية والقضائية والتشريعية وتعبيراتها الأعلامية. وفي سياق الصراع الديمقراطي المشروع فيجب دائما ان لا يتحول الصراع باشكاله من حالة الصراع على او مع النظام لصراع مع الدولة او على الدولة. وان لا يتوجه الغضب على سلوكيات وممارسات النظام السياسي لغضب ضد الدولة ويعمل على تقويضها . ان وعي الخطوط الفاصلة ما بين الوطن والدولة والنظام والترابط بينهما هي مهمة تقع على عاتق القوى الأكثر وعيا في المجتمع ويجب ان لا يقودنا سلوك البعض ان كانوا افرادا او مؤسسات عن وعي او عن غير وعي الى تحويل الصراع من صراع مع النظام الى صراع مع الدولة . ان تغيير طابع الدولة يستلزم تغيير جوهري في العقد الأجتماعي بين مكوناته ويجب ان يكتسب الطابع الطوعي وتستخدم لتحقيقه ادوات ووسائل ديموقراطية شفافة . ان الأصوات التي تحاول توزيع شهادات بالوطنية معيارها الولاء للنظام وربط معيار الولاء للوطن بالولاء للنظام ومؤسساته بغض النظر عن سياساته هي تحاول اختصار الوطن على مقاس فئة محددة وبذلك تقوم بعملية تقويض داخلي لفكرة الدولة الجامعة او الاطار الوطني الجامع. هذه الفكرة هي بداية لبروز النزعات العنصرية والفاشية والألغائية وتراها في جوهرها تخدم الفكرة التدميرية للدولة .وتخلق أجواء ملائمة لمصالح القوى الخارجية التي تسعى لتعيد رسم المنطقة بما يتلائم مع مصالحها الجيوسياسية . فالوطن موجود ما قبل تشكيل الدولة (والنظام).. الوطنية مفهوم يجب ان يعبر عنه من خلال الألتزام بالمكان بما يشكله من حيز لممارسة النشاط الأنساني الخلاق والعلاقات التي تربط بين مكوناته القائمة على أساس الاحترام المتبادل لتعبر عن نفسها بالعلآقات الأقتصادية والسياسية والأجتماعية والثقافية القائمة على احترام القانون وسيادته على الجميع المتفق عليه في العقد الأجتماعي (الدستور) او النظام الأساسي او الميثاق الوطني .