بقلم: عائشة عبد الغفار
إن قضية البناء الأوروبى لم تكن أبدا عملية سهلة، فبرغم امتداح بشدة منهج الخطوات الصغيرة والحذرة للاتحاد الاوروبى فإن هذا البناء شهد أخيرا خبطات وإخفاقات قوية.. وبمناسبة انعقاد الانتخابات الأوروبية بعد ثمانية أشهر فى الفترة ما بين 23 و 26 مايو المقبل فإن الاتحاد الأوروبى ليس أمامه إلا اختيار واحد وهو أن يكون على جميع الجبهات.
الجبهة الأولى البريكسيت ولكن فى هذه المرحلة فكل طرف متمسك بمواقفه والموقف أصبح معقدا للغاية بحيث إن أى خبير أوروبى لا يستطيع أن يخمن نتائج المعركة وشكلها النهائي! لقد مر سبعة وعشرون شهرا على قرار نحو 50% من البريطانيين الخروج من الاتحاد الأوروبى وموعد الاستحقاق قد تحدد يوم 29 مارس 2019 ويبدو أن المفاوضات تغوص فى الرمال فى حين أن فرضية انسحاب المملكة المتحدة دون الاتفاق مع الاتحاد أصبحت تؤخذ بجدية, حيث إن حزبى المحافظين والعمال يطلقان من جديد الجدل والنقاش حول استفتاء ثان.
إما الجبهة الثانية فهى تتلخص فى الحفاظ على القيم التى تحكم الاتحاد وعلى المعاهدات الخاصة بالاحترام والكرامة والحرية والديمقراطية والعدالة ودولة القانون واحترام حقوق الإنسان وهى القيم المشتركة للدول الأعضاء والتى تعتبر شرطا مسبقا لانضمام جديد ولا تستطيع أى دولة عضو أن تغتصبه... وفى إطار هذه الخلفية فإن المعركة دائرة الآن بين بولندا والمجر... لا شك أن الإجراء ليس متكافئا فى الحالتين وإنما كل مرة فإن سلاح المادة السابعة التى تم إنتزاعها يتم اللجوء إليه بدافع إن الإصلاحات المنتهجة فى أى من هذه الدول قد تكشف عن «خطر إزاء خرق انتهاك دولة القانون» وهى فرصة يحلم بها أعداء البناء الأوروبى ليصرخوا بأن السيادة قد تم المساس بها كما تؤكد «آن ليفاد» رئيسة الجمعية الفرنسية للقانون الدستوري.
الجبهة الثالثة هى السياسة الأوروبية الخاصة بالمهاجرين والتى تُعَّرض التضامن الأوروبى للمخاطر وتبلور الضغوط الموجودة فى الرؤى المختلفة. إذن بالنسبة للاتحاد الأوربى فالمسألة أصبحت رهانا حول المصدقية فى حين أن «الشعبويين» فى جميع الدول الأعضاء ينقَّضون فى الهجوم مطالبين بحماية شعوبهم وهم أنفسهم السبب فى شلل الاتحاد الأوروبى عندما يرفضون التصويت على الإجراءات التى يقترحها, إن رسالتهم تتلخص فى أن أوروبا مسئولة عن كل شيء ولا تستطيع حماية مواطنيها.
وإذا أخذنا فى الاعتبار هذه الجبهات الثلاث فإن المعركة تبشر بأنها عنيفة لأن أوروبا قد تقع فى مصيدة القيم المؤسسة للاتحاد ليقع عليها اللوم بأنها ليست ديمقراطية بما فيه الكفاية, حيث تمثل أوروبا النظام الديمقراطى الوحيد فى العالم الذى يسمح بأن يتقدم فى الانتخابات المرشحون الذين لديهم برنامج يسمح لهم بالجلوس داخل مؤسسات يريدون تفتيتها.
إن خروج المملكة المتحدة من البريكسيت قد يؤثر على أوروبا التى تجهل ذلك, كما أنه عقب 46 عاما من التعايش فإن البريطانيين ليسوا وحدهم الذين سوف يتضررون من الانفصال... لقد أثبتت اجتماعات المجلس الأوروبى أن المملكة المتحدة أرادت تقسيم القارة الأوروبية لتحكم بطريقة أفضل، كما رفضت 27 دولة خطة تيريزا ماى الخاصة بالبريكسيت. إن قائمة النتائج السلبية لانسحاب بريطانيا عديدة بالنسبة للقيم الليبرالية والمعركة المضادة للإرهاب والحفاظ على المناخ وإدارة الهجرة والنقل الجوى والبحث العلمى والصيد فى نهر المانش. إن تشبيه البريكسيت بعملية الطلاق اصطلاح خاطىء لأنه إذا خرجت بريطانيا من الاتحاد فسوف تستمر فى الجدال والمناقشة مع الأوروبيين رغم أن سنتين بعد الاستفتاء البريطانى هناك غياب لتصور مستقبل مشترك.. وإنما يجب ألا ننسى كلمات الجنرال ديجول: «ليس هناك جبال تفصل إنجلترا عن فرنسا هناك فقط قناة...» نعم إن مصلحة لندن أو باريس أو برلين أو بروكسيل ألا تقترن هذه القناة بخندق فاصل وإلا فسوف يكون الاتحاد الأوروبى أكبر خاسر للبريكسيت!!.
الاهرام المصرية