تحل علينا الذكرى الرابعة عشر لرحيل الأب البار ياسر عرفات ، الذي كان و مازال الفصل الأطول و الأنقى في حياة الشعب الفلسطيني منذ تدوين تاريخه
المعاصر ، حيث ترك أبو عمار موروث وطني و أممي يليق بتضحيات هذا الشعب ، و كان سنامها مجموعة من القيم و الأخلاق نفتقدها كثيراً في يومنا هذا ، فكان النسخة الأصلية لشعبه بشموخه و أصالته و زهده بالحياة ، ليست كما الآخرين نسخ كربون ملوثة يعتاشون على إذلال شعبهم تارة بإسم الوطن ، و تارة بإسم الدين ، و تارة اخرى بإسم و تاريخ ذلك الإنسان العظيم ، كما كان عرفات أيقونة لحركات التحرر و الشعوب المكافحة بالتنسيق معها ، و بل دعمها بما أوتي من قوة من عتاد عسكري و مال و حتى الطعام ، لذلك وجب علينا كفلسطينيين أن نستلهم تلك التجربة العرفاتية بعيداً عن التقديس و عبادة الأصنام في رحلتها من ألفها إلى يائها ، حيث التكوين و المنشأ و التأسيس ، و ديمومتها بعد وفائها ، حتى تكون لنا رافعة في علاقاتنا الوطنية بالتغلب على مشاكلنا الداخلية ، و الصمود أمام متعرجات العمل الوطني الوعرة و الإشتباك المدروس مع قوى الشر ، حيث وجود عرفات في وقتنا هذا أو العمل بتجربته النبيلة ، لكان هناك إختلاف جذري لما تمر به القضية الفلسطينية من انتكاسة وطنية و منعطفات شديدة القسوة ، فلو كان عرفات بيننا لكان التعامل الدولي مختلف مع القضية الفلسطينية ، حيث كانت تلك القضية في زمانه على رأس أجندات النظام العالمي ، لو كان عرفات بيننا لما حدث الإنقسام الفلسطيني ، حيث كان قد فكك أسباب وجوده قبل أو منذ نشأته و ذهابه إلى قطاع غزة لوأده ، لو كان عرفات بيننا لما تجرأت أن تلعب و تعبث دول صغيرة بالساحة الوطنية دون أن يُقرع الجرس من أولي الأمر لنهيها عن ذلك ، لو كان عرفات بيننا لما نامت أُسر مستورة و هي جائعة ، حيث كان مكتبه هو عبارة عن بيت مال الفلسطينين و كل شي يخطر على بال الفلسطيني من أجل الحفاظ على كرامة و شموخ شعبه ، فيُحسب لهذا الرجل أنه لم يقطع يوماً رزق من اختلفوا معه أو من تطاولوا عليه أو قطع قوت أبناء من خانوا شعبه بالمفهوم الحقيقي بالسقوط في مستنقع الخيانة ، لم يحمل أي ضغينة لأي انسان أساء إليه، بل كان يقبل رؤوسهم و أيديهم ، لأنه ببساطة هو ياسر عرفات و الذي وُلد من رحم معاناة هذا الشعب ، فالعرفاتية هي إحساس و إيقاع و اندماج مع واقعها ، و متماهية مع ذاتها و صدقها و فناءها من أجل فكرتها و هي تقرير مصير شعباً يريد بناء كينونته رغم حلم الدولة المتعثر و إيمانها المطلق ترتيلاً لوجدان شاعر الثورة الكبير محمود درويش أن :
عَلَى هذه الأرض ما يستحق الحياة
عَلَى هَذِهِ الأرضِ سَيَّدَةُ الأُرْضِ
أُمُّ البِدَايَاتِ أُمَّ النِّهَايَاتِ
كَانَتْ تُسَمَّى فِلِسْطِين
صَارَتْ تُسَمَّى فلسْطِين .
رحم الله أبو عمار و كل شهدائنا الأبرار ، و ستبقى ذكراك فينا جمرة مقاومة للغزاة ، فنم قرير العين فلا نامت عيون الجبناء ، فالعهد هو العهد و القسم هو القسم .
التجربة العرفاتية و إيقاعها في العمل الفلسطيني
2018-11-15
بقلم : الدكتور ياسر الشرافي