بقلم: عميرة أيسر
تعتبر إستراتيجية الفعالية أو الفعالية القيمية من أهم الاستراتيجيات الرئيسية التي قام عليها الفكر السِّياسي والإيديولوجي لصناع السّياسة في واشنطن منذ نهاية الحرب العالمية الثانية تحديداً، حيث أن كل الرؤساء الأمريكان بداية من دويت إيزنهاور الذي كان قائداً أعلى للقوات الأمريكية في الحرب العالمية الثانية، وشغل منصب رئيس للولايات المتحدة الأمريكية منذ تاريخ 20 يناير/جانفي 1953م، إلى غاية يناير من نفس الشهر سنة 1961م. وتمتاز نظرية الفعالية والتي استعملت بكثرة من طرف صناع السِّياسة الكبار في دهاليز البيت الأبيض خلال فترة الحرب الباردة، باستعمال أكبر قدر ممكن من القوة وكل الوسائل المتاحة من أجل تحقيق الأهداف المسطرة في السِّياسة الخارجية، وهذا المفهوم يختلف كلية عن مفهوم الفاعلية السِّياسية التي تعتبر أحد دعائم الأنظمة الديمقراطية والتي تعزز شعور المواطن بذاته كأداة محورية في عمليات التغيير السِّياسي والاجتماعي، وفي شعوره بأن الدولة أو الحكومة بشكل أدق، تأخذ أفكاره وأطروحاته على محمل الجدّ في عملية اتخاذ القرارات المصرية الكبرى إن على المستويين الداخلي أو الخارجي.
الولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها الدولة الأقوى والأكثر نفوذاً في العالم حاليا، إن على المستويات السِّياسية أو الاقتصادية أو الثقافية أو العسكرية، والتي استطاعت عبر سنوات طويلة من التخطيط والعمل الدءوب والمتواصل، أن تمتلك ، ميكانيزمات وفواعل القوتين الناعمة والصلبة مكنتها من فرض شروطها واملاءاتها حتى على المؤسسات الدولية كالأمم المتحدة وتوابعها، وأصبحت الدول الكبرى لا تستطيع بالرغم من نفوذها الجيواستراتيجي الممتد في الكثير من المناطق الجغرافية، وقوتها الاقتصادية أو العسكرية أن تمنع واشنطن من تنفيذ أجندات سياساتها الخارجية التي تقوم على التفكير في مصالح بلاد العم سام، أو بتعبير أدق مصالح النخب الحاكم فيها، دون اعتبار للمواثيق أو القوانين الدولية، فالحروب التي شنتها أمريكا على الكثير من دول العالم كأفغانستان والعراق، تنطلق من هذا المبدأ الذي يعتبر من أهم المبادئ البراغماتية في السّياسة الخارجية الأمريكية الحديثة.
وقد توسعت هذه الإستراتيجية وتوغلت في دواليب السّياسة الخارجية الأمريكية في عهد المحافظين الجدد، كبول ووالفووتز وريشارد بيرل وهؤلاء هم تلاميذ فيلسوفهم الأكبر ليو شتراوس، الذي يعتبره الكثير من الحافظين الجدد العقل المؤسس لهذه الإستراتيجية، والتي يعتبر هنري كسينجر مستشار الأمن القومي في عهد الرئيس ريتشارد نيكسون أول من ركز عليها في السِّياسة الخارجية باعتبارها معطى هام من معطيات القوة التي يجب توظيفها لأقصى درجة ولأطول فترة ممكنة. فإستراتيجية الفعالية القيمية تعتمد اعتماداً رئيسياً على التدمير الشامل والكلي للوحدات السِّياسية المعادية أن كانت ستشكل مستقبلاً خطراً حيوياً على المصالح القومية العليا للولايات المتحدة الأمريكية، والرئيس الحالي دونالد ترامب يطبق هذه النظرية بحذافيرها في تعامله مع خصومه السِّياسيين سواء داخل الولايات المتحدة الأمريكية أو خارجها، حيث يستعمل أساليب القوة الناعمة ويلوح باستعمال القوة الصلبة في طرحه لملفات السِّياسة الخارجية على مسرح الأحداث الدولي، وابتزازه لعدد من الدول الخليجية وإجبارها على دفع الأموال الطائلة له في مقابل حمايتها والإبقاء عليها، وإلاَّ فإنه سيتركها لمصيرها، ليس إلاًّ عينة صغيرة فقط على مدى تغلغل هذه الإستراتيجية وفعاليتها في السِّياسة الخارجية الأمريكية، والتي لا تهمها القيم والمبادئ العليا في السِّياسة الدولية في شيء، فصناع القرار في واشنطن يؤمنون بأن القوة هي فقط من تضمن لهم البقاء والاستمرارية في العبث بمقدرات الدول والشعوب وخاصة العربية والمستضعفة منها.
عميرة أيسر-كاتب جزائري