طالت سنوات الحرب على سوريا وسقطت كافة الأقنعة التي اختبئت ورائها وجوه من شاركوا وتآمروا فيها على المنطقة وعلى سوريا، ومع إنكشاف الكثير من الحقائق والأهداف والمصالح التي دفعت بعض الدول للمشاركة فيها، لا يزال الموقف التركي يحتاج المزيد من الإضاءة والتوضيح ...
إذ لا يمكننا الإعتماد على فكرة إنخراط تركيا في الحرب كلاعب ٍ أساسي، وقبولها بتحويل أراضيها لمراكز استقطاب وتجميع وتدريب وتسليح الإرهابيين وتسهيل دخولهم إلى سوريا، وتخطيها إلى مشاركتها الفعلية بجيشها وطائراتها ودباباتها وجنودها، وباستغلالها الجهود الدولية التي منحتها فرصة أن تكون إحدى الدول الضامنة للحل وليس قوةً للإحتلال، أو لحماية إرهابيي جبهة النصرة ومن لف لفهم , وتمكينهم من السيطرة واحتلال بعض المدن والقرى وبعض النقاط الإستراتيجية ... كذلك تحمّلها وزر لجوء مئات الآلاف من اللاجئين السوريين إلى أراضيها, كان بفضل أطماعها بسرقة النفط السوري وسرقة معامل حلب فقط.!؟ أو نتيجة ً لطلب الإدارة الأمريكية، وكرمى لعيونها فقط!
أن سياستها العدائية ودعمها المباشر للإرهابيين، يضعها في قلب العاصفة ويعرضها للمخاطر، فما قامت به هو لعب ٌ بالنار ورقص ٌ على حافة الهاوية ... مع إدراكها بأنها تقع على خط التقسيم، وخرائط المشاريع الصهيو – أمريكية في المنطقة! بالإضافة إلى يقينها – منذ ما قبل الحرب – أن الغرب يعتبرها دولة ً غير مرغوب ٍ فيها في المنطقة، بفضل تاريخها الدموي وسياساتها العدائية التي حوّلت علاقاتها بكل دول الجوار إلى صفر علاقة، والتي وصلت إلى ما دونه نتيجة سلوكها أثناء الحرب ... إذ تتحمل الدولة التركية المسؤولية المباشرة عن تفجير موجة اللجوء إلى أوروبا، وعودة الإرهابيين عبرها إلى بلادهم، والذين لم يتوانوا عن تنفيذ مهامهم وأوهامهم التي حملوها في رؤوس ٍ مجرمةٍ متطرفة, الأمر الذي يقضي على حظوظها بالإنضمام إلى الإتحاد الأوروبي وجعله حلما ً مستحيلا ً... بالإضافة إلى المغامرة والحماقة التي دفعتها لإسقاط الطائرة الروسية، وتحمّلها تبعات الغضب الروسي إقتصاديا ًوعسكريا ًوبالوعد بالإنتقام!
هذا يقودنا إلى التفكير في الهدف الجوهري الذي تطلب كل هذا الجنون، والذي وصل حد الإنتحار السياسي لنظام أردوغان! والدفع به "لتقديم أقصى التضحيات" للدفاع عن أرضه وشعبه – بحسب داود أوغلو-!؟ .
فنظام أردوغان يستعمل تعبير" الشعب " وفق نموذجين، أولهما الشعب التركي الحقيقي كنموذج ٍ لا يخشاه , ولا يتوان عن قمعه وحكمه بالقوة والهيمنة و بالسلطة الغاشمة , بمصادرة حرية تعبيره و رأيه , وقمع وسائل إعلامه و إغلاق مواقع تواصله الإجتماعي .....الخ.
أما النموذج الاّخر " للشعب " فيعني به كل من كان تحت سيطرته وهيمنته , ولكنه يخشاه ويحسب له ألف حساب , ويدعي حمايته, ممن يمثلون ما يسمى بالأقليات وخصوصا ً الكرد والتركمان والأرمن والعلويين والمسيحيين , اللذين احتل أراضيهم وشتت شملهم ونكل بهم, وينظر إليهم كجزءا ً من غنائم الأراضي المسلوبة , إذ يعلم أن في تحركهم وبأعداهم الكبيرة يشكلون خطرا ً كبيرا ًعلى الدولة التركية, التي مارست بحقهم تاريخيا ً أبشع الجرائم , وسلخت السوريين منهم عن وطنهم الأم في لواء الإسكندرون, عبر إتفاقية سايكس وبيكو عام 1916 وإتفاقية أنقرة عام 1921, والتي أفضت إلى ضم لواء الإسكندرون إلى تركيا في 29 11 1939, إذ قامت فرنسا بالإنسحاب منه في 15 7 1938 والسماح لتركيا بقضمه وإحتلاله, مقابل أن تضمن دخول تركيا الحرب العالمية الثانية إلى جانب الحلفاء من جهة , ولمعاقبة السوريين على مقاومتهم للإحتلال الفرنسي من جهة ٍ أخرى , بعد صدور قرار عصبة الأمم بفصل اللواء عن سورية دون موافقة الدولة والشعب السوري.
ويعتبر لواء الإسكندرون المنفذ البحري لمدينة حلب، ويضم مدنا ً عديدة كإسكندرونة وأوردو والريحانية وأنطاكية التي تعتبر مركز ومقر الكرسي البطريركي للكنيسة السورية ... بالإضافة لما تتميز به الطبيعة الجغرافية الجبلية والتي تضم جبال الأمانوس وجبل الأقرع وجبل موسى وجبل النفاخ، وبأنهارها كالعاصي والأسود وعفرين، ناهيك عن خصوبة التربة، وتطور مختلف أنواع الزراعات والثروة الحيوانية ... بالإضافة إلى ما استجد إكتشافه من مخزون هائل للغاز والنفط على طول الشريط الساحلي السوري ...
إن الحلم العثماني – الأردوغاني بقضم المزيد من الأراضي السورية، جعلته يستشرس في دعم الإرهابيين وحمايتهم والقتال عنهم، ويأتي في إطار تجديد حلمه القديم – الجديد، في قضم ما دعوه دولة حلب – بحسب خارطة تقسيم سوريا –، وقضم مساحات ٍ كبيرة من الريف الشمالي والشمالي الغربي لحلب والريف الشمالي لمدينة اللاذقية، واعتبارها مناطق نفوذ ٍ تركي، والتي تمتد من جرابلس إلى البحر المتوسط، فيما سمي منطقة اّمنة أو عازلة .... الخ.
يبدو أن أردوغان قد وقع فريسة وعود ٍ أمريكية كتلك الوعود الفرنسية، في فرض المنطقة العازلة أولا ً، ومن ثم سلخها عن سوريا وضمها بقرار ٍ أممي تضمن استصداره الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا ...مما يسهل له قضمها وسرقتها وضمها لكيانه، في حال نجاح المشروع الأمريكي أو سايكس بيكو الثاني أو الجديد ... الأمر الذي يبرر تورطه حتى النخاع في الحرب على سوريا، وعدم إكتراثه للأثمان التي سيدفعها في الداخل التركي أو بالإنتقام والمقاومة السورية ... يبدو أنه يعتقد أن ضم المزيد من الأراضي السورية سيجعله أهم من كمال أتاتورك نفسه.
لكن الرياح السورية وبفضل قوة وبسالة جيشها وقائدها وصمود شعبها الأسطوري , دفعت وستدفع سفن أردوغان بعكس ما يشتهي , وسيتابع السوريون تحرير ما تبقى من أراضٍ يدنسها الاحتلال التركي والأمريكي والإرهابي بكافة صوره وأشكاله, وفي الذكرى السنوية التاسعة والسبعين لضم اللواء السليب والذي يُصادف الخميس29 11 2018 , ومع انتهاء مفاعيل الإتفاقية المشؤومة في أيار 2016 يجد أردوغان نفسه أمام خيارات صعبة, لا يملك فيها سوى مضاعفة مرواغته ونفاقه وإعادة خلطه الأوراق لمنع أو تأخير الدولة السورية من إنهاء ملف الإرهاب في مدينة إدلب , كي لا يرتاح السوريون ويعودون لتكثيف جهودهم لأجل استعادة لواء الإسكندرون.
على أردوغان أن يعيد صياغة حساباته، على ضوء بقاء الدولة السورية وصمودها وإنتصارها, رغم شراسة الحرب الإرهابية الحالية عليها، وسيل الحروب التي تعرضت لها منذ عام تأسيسها الأول سنة 1920, فلا يزال الشعب السوري في اللواء وعلى الرغم من محاولات التتريك والقمع والتهجير يتحدثون اللغة العربية ويعتزون بإنتمائهم للوطن الأم , وأن شراءه ذمم القلة منهم وتجنيدهم لخدمة أطماعه ومشروعه لن تغير في مواقف السواد الأعظم للشعب السوري هناك سواء كانوا كردا ً أم تركمان أو....الخ, فإنتصار الدولة السورية ينسف كل ما فعله أردوغان وحارب ودعم الإرهاب لأجله.. فملايين السوريين لن تتخلى عن تحرير شبرٍ واحد من أراضيهم مع مرور الزمن، ولن يستطيع تعقيد أو تأخير وعرقلة ملف إدلب أن يُنهي ملف تحرير واسترجاع لواء الإسكندرون.
ويبقى للعثماني السلجوقي المريض أن يلهث وراء حلمه من الجنون حتى اليأس ... فسورية باقية وبواسلها وأهلوها لن يستكينوا إلاّ بعد الإنتقام منه والقضاء على مرتزقة إنكشارييه وإرهابييه وتطهير الأرض السورية من رجسهم....
تعقيد ملف إدلب .. لن يُنهي ملف لواء الإسكندرون
2018-12-03
بقلم: ميشيل كلاغاصي