من حق مدينة إدلب أن تحبس أنفاسها هذه الأيام فربما أصبحت الفترة القليلة المقبلة حبلى بإنجازات كبيرة وعظيمة، حيث تشير الكثير من التقارير الصحفية بتصاعد وتيرة الانجازات الميدانية والعمليات العسكرية للجيش العربي السوري وحلفاؤه في مختلف مناطق إدلب لتطهير الأرض من إرهابيي تنظيم جبهة النصرة والمجموعات التي تعمل تحت رايته التكفيرية الظلامية.
ويبدو من خلال قراءة المشهد الميداني، أنّ جميع الدول الداعمة للجماعات المسلحة أصبحت في وضع محرج وفاقدة للقدرة على منع قرار الجيش السوري في تحقيق هدفه الأساسي بتحرير جميع المناطق الواقعة تحت سيطرة الجماعات المتطرفة بعد أن أصبح في وضع مَن يقرّر مسار الأمور في الميدان العسكري، لذلك باتت معركة نهاية الحرب الإرهابية على سورية في آخر مراحلها، ولهذا فإن معركة استعادة ما تبقى من المناطق السورية قد اقتربت ليعلن بعدها الانتصار النهائي للجيش السوري، وكنتيجة طبيعية لهذا الانتصار، بدأ الرئيس الأمريكي ترامب بالإنسحاب من سورية، وهذا يؤكد العجز الأمريكي في إضعاف وتقسيم سورية ي و أن خارطة القوى قد تغيرت لصالح الجيش السوري.
التوتر الجديد بين أنقرة وواشنطن بالتزامن مع قيام البيت الأبيض بنقل جزء من قواته إلى القاعدة الأمريكيّة في إقليم شمال العراق، لم تعد أنقرة تستطيع الرهان على واشنطن فيما يخص الملف الكردي ، بذلك أصبحت تركيا أقل قدرة على تحقيق رهاناتها في إدلب وشمال سورية،خاصة بعد استعادة الجيش السوري وحلفاؤه زمام المبادرة في توسيع نطاق السيطرة في مختلف المناطق وخاصة في شرق حلب وباتجاه البادية والحدود مع العراق، في هذا الإطار إن الوثائق التي سربت تتحدث بالتفصيل عن هناك تصريحات تؤكد تعاون بين موسكو وأنقرة يخص إدلب، والتي ستؤثر إيجاباً بدفع عجلة الحل السياسي في سورية.
في هذا السياق، أثبت الدور التركي المشبوه في سورية ... والمطالبة بإنشاء منطقة آمنة في الشمال السوري، من خلال بث أكاذيب بأن الهدف من إنشاء هذه المنطقة هو حماية المدنيين من "النظام"، وتأهيلها لعودة اللاجئين إليها، فضلا ًعن منع سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) على تلك المناطق، بفضل امتلاكه مشروعا ً انفصاليا ً يهدد أمن الدولة التركية، بأن الإستعدادات تجري على قدم وساق لحسم معركة إدلب و تضييق الخناق على"النصرة" والقوى المتطرفة الأخرى، كما أثبت الميدان أن سورية قامت بقلب الموازين, وأسقطت حسابات تركيا في المنطقة بأكملها.
من الواضح أن الرئيس الأسد حسم الموقف وإتخذ قراره في استعادة السيطرة على محافظة إدلب وبعث برسائل ساخنة وخطيرة إلى تركيا التي تدعم الإرهاب وتستخدمه بكافة الوسائل والإمكانيات، ورسائل أخرى إلى دول كبرى تمارس نفس الشيء، ولا تستكان عن استخدام الإرهاب واستثمار نتائجه لتحقيق مصالحها وأهدافها في المنطقة، مشدداً على أن سورية مستمرة فى مكافحة الإرهاب وتنظيماته المتعددة أينما وجد على الأرض السورية ولن تتوقف حتى تُستأصل شأفة الإرهابيين أو يعودوا من حيث جاءوا.
المتابع للمشهد السوري، يرى بوضوح بأن معارك إستعادة إدلب تتم عن طريق إتباع إستراتيجية جديدة في الإسناد والتمركز الدقيق، التي تربك الجماعات المتطرفة وأعوانها وتمكن الجيش السوري من الحسم السريع، وهو الأمر الذي دعا هذه الجماعات المتطرفة للبحث عن مخرج من الحصار الشديد الذي تتعرض لها حالياً، بعد أن حرر الجيش عدداً من القرى والمدن في الشمال السوري، بالمقابل تقوم الجماعات الإرهابية وأخواتها بعمليات قتالية وهجمات معاكسة لإعادة السيطرة عليها أو على القرى والمناطق المحاذية لها غير أن جميع محاولاتها باءت بالفشل، فلم تعد معنويات التنظيمات المتطرفة كالسابق فهي تتكبد الخسائر الفادحة بالأرواح والمعدات،وبذلك يكون قد حقق الجيش السوري مرحلة متقدمة بتقطيع أوصال الإرهاب في عمق الشمال، ومكنته من إحكام السيطرة على كافة الطرق والمحاور لمدينة ادلب.
وهذا يكشف الحقيقة التي يجب أن يدركها العالم، إن التنظيمات المتطرفة العالقة في إدلب قلقة أكثر من الجميع، فلا فرصة أمامها للصمود ، فهذه التنظيمات مدركة تماما حتمية الهزيمة والإنكسار، إذ تحاول الفرار من سورية بصورة جماعية سواء الى تركيا أو الى الدول الأوروبية عارضة مبالغ كبيرة لتمكينها من ذلك.
مجملاً.... إن التوقعات التي خططت لها تركيا وحلفاؤها جاءت في غير صالحهم، لو تابعنا المسار الذي رسمته تركيا في سورية والتي وضعت به كل إمكاناتها، نجد بأنها خسرت رهانها على أن تكون هي الراعية وبيدها الورقة الكردية، لذلك نرى إن سياسة أنقرة تجاه سورية في حالة يرثى لها وتعاني من ضربات مستمرة، والمأمول آن تدرك أنقرة حجم المغامرة التي يدفعها الأمريكي وحليفه العربي اليائس نحوها، وتبادر إلى مراجعة حساباتها، وتجنب التورط بقدر الإمكان بالمستنقع السوري.
باختصار شديد... معركة إدلب هي ضربة جديدة للدول الداعمة للإرهاب وللجماعات المتطرفة التي تعيش نهاياتها العسكرية، ما يعني أن تحرير إدلب يشكل بوابة جديدة لعبور الأزمة السورية وطوي صفحة أخرى من كتاب التنظيمات التكفيرية وستكون بالقدر نفسه على طريق الخلاص من الإرهاب في سورية، كل هذا يؤكد بأن ادلب سوف تغادر محطات الإنتظار بسواعد أبنائها وجيشها، ومساندة حلفاؤها، وأنه لا مجال للإنكسار أو التراجع، وأن ادلب على مسافة خطوة واحدة من الحسم.
Khaym1979@yahoo.com