بقلم: ميساء المصري
مع توالي الاحداث السياسية حولنا أجدني أنكر نظرية تغيرالأحوال , الى الإيمان بنظرية (واقع الحال على ما هو عليه ) وهو فكر يشعرني بالضعف , ونقيض لمبدأ عندما تُدافع عن أفكارك أمام العامة يجب عليك أن تكون قوياً وشجاعاً للعيش من أجلها . لكننا لم نستوعب لغاية الآن حكمة ان المرء لا يغرق لأنه سقط في النهر، بل لبقائه مغموراً تحت سطح الماء . فمتى نعي ان النهر ليس المشكلة ؟؟.
ونعود هنا الى أساس المشكلة والصدام ما بين الحكومة والحراك, اذ يشهد الاردن منذ 6 أشهر جدلا حادا بين أطراف الحكومة من جهة ، ثم مختلف مكونات الحراك من جهة ثانية , و بين اطراف غير واضحة المعالم تلقي للشارع الاردني أوراق ضبابية غير مفهومة المعنى لكنها تهدف الى زعزعة واضحة , لتضع خلفية سيئة للوضع العام الذي وصلته البلاد اقتصاديا واجتماعيا وأمنيا، مما يطرح تساؤلا حول مصير العملية السياسية برمتها، وبالتالي حول مصداقية عملية الاصلاح التي أوصلت إلى هذه الحال والى اين ستؤول ؟؟.
من جانبه، يدافع الحراك عن تجربته بحق كفله له الدستور ، في حين تعتبر الحكومة خطاب الحراك تهويلا ليس في الصالح العام عبر تجاوز السقف الذي حدده القانون وكفله الدستور. الأمر الذي يدفع بالحكومة، بصفتها صاحبة الولاية العامة، إلى أن تعلن أنها لن تسمح بالمساس بأمن واستقرار الأردن أو محاولة زعزعة وحدته الوطنية، وتتخذ الإجراءات القانونية لردع كل من تسول له نفسه العبث بها, فكانت سياسة المداهمات و سياسة القبضة الامنية التي أوصلت الوضع إلى مفترق طرق حاسم، يستدعي إيجاد حل سياسي عاجل ينقذ البلاد من مخاطر عديدة لا يحمد عقباها..
جدال وتجاذب
يرى أطراف الحراك-على تنوع تشكيلاته، أن الحكومة قد فشلت في تحقيق استحقاقات الاصلاح، وفي قيادة المرحلة الاصلاحية نحو الاستقرار المطلوب شعبيا . وتستدل هذه الأطراف على ذلك بما يشهده الوضع العام من تأزم. وان الحكومة تمارس سياسة الهروب إلى الأمام، في ظل وضع يتفق فيه الجميع والمتتبعين الدوليين على أنه أصبح ينذر بالخطر.
وهذا الموقف لم يعد يقتصر على الحراكيين فقط، بل ورد كذلك على لسان المسؤولين والنشطاء ووفئات الشعب بإقرار ضمني بالفشل، وبضرورة إيجاد حلول توافقية في ظل فقدان المصداقية.وتضارب الانباء حول كيفية تسييردواليب الدولة والحكم.
ولا حاجة لنا في أن نعود إلى دقائق الوضع العام كي نرى إن كان هناك فشل أم لا، فهذا أمر بين.. السؤال الذي يطرح نفسه هو الى اين سيتجه بنا هذا الوضع؟؟؟.
من وجهة نظر مبدئية، يجب أن تتحمل الدولة المسؤولية السياسية والأخلاقية عما يحدث عوض أن تلقي التهم على النشطاء الذين أصبحوا شماعتها الأولى. من يتحمل المسؤولية هو من كُلف بالإصلاح، من قبل الحكومات ، وليس الشعب، وهذا دارج في كل الديمقراطيات، على المستوى السياسي والأمني والإداري خاصة مع ما وصلنا له من درجات فساد . والغريب في الأمر أن جانب التعطيل يتأتى عادة من الحكومة التي غالبا ما تقدم مشاريع قوانين وهيئات تتعارض في نقاطها الأساسية مع ما يقترحه المجتمع المدني أو أهل الميدان والاختصاص. ثم تمر العملية بتعويم غير مفهوم ولصالح اطراف دون غيرها والخاسر الوحيد هو الشعب .والذي اصبحت عملية استفزازه ,عملية مقصودة.
مأزق السلطة والطريق إلى الخلاص
التعامل بمنطق الغنيمة والخصوم لا يفيد في هذه المرحلة الحرجة , والتي ستضع الحكومة في مواجهة مجتمع ارتفع سقف مطالبه بعد سياسة القمع والتضليل. وهو ما يعيدنا إلى مرحلة الأحكام العرفية التي يرفضها الشارع الأردني ويزيد من حالة الاحتقان الشعبي الذي تفاقم بسبب السياسات الحكومية التي تستهدف المواطن وحرياته ، في ظل ما تتطلبه المرحلة الحالية من تمتين الجبهة الداخلية وتعزيز التلاحم الشعبي، بموازاة مع ذلك، اذا كانت معادلة الأمس تدور حول مواجهة قوانين استنزاف جيب المواطن ، فهي اليوم تدور حول مواجهة كرامة وحرية مجتمع .
ومما زاد في تعقيد الوضع أن تسيير الدولة تميز بالتضارب وبالرداءة أحيانا، مع خلط بين مصالح شخصية ومصالح الدولة. هل من مخرج إذن من هذا المأزق السياسي؟
اصبح المواطن اليوم يخوض صراع البقاء ، مع اجهزة إن لم تكن تقمعه فقد اصبحت تحقّره. خاصة مع اعتماد سياسة “فرّق تسد” تجاه النشطاء الحراكيين لإضعافهم بل تكفل بذلك الحراكيون أنفسهم . وقد وصلت هذه الخلافات إلى العنف اللفظي وتبادل الاتهامات في عديد المناسبات.في صورة بعيدة تماما عن النضال الوطني , لم ينتقد بعض هؤلاء الناشطون السلطة بقدر ما انخرطوا في صراع إيديولوجي واجنداتي واخلاقي ثبت أنه لم ينفع إلا الحكومة نفسها وفقدوا مصداقيتهم امام الشعب . و كان كل طرف يسعى إلى إقصاء الآخر، معتبرا نفسه الوحيد صاحب الشرعية لتمثيل الشعب. هذا التشتت جعل من الحراكيين فرائس سهلة فقد انطلت الحيلة ولم تجد السلطة صعوبة في ردعهم وتشتتيتهم ولا ننسى دور حراكيين الديكور في هذا الخلل. وكان السجن الحل الحكومي لتكميم أفواه النشطاء وضمان عدم انتقال “عدوى” الحراك إلى بقية شرائح المجتمع. في حين تخاذلت النقابات والأحزاب التي طالب الملك بتشكيلها دون جدوى كذلك مرتزقة مؤسسات المجتمع المدني من تحمل المسؤولية ومن المشاركة في الحراك السلمي وعجزت النخب من القيام بدورها في تشكيل قيادة للحراك وضبط وترشيد خطابه وعجز الشعب عن فهم دوره كذلك .
فقدان البوصلة السياسية
مع هذا التقاطع السياسي الذي يقوم بنحت مصير البلاد إلى حد الساعة. يقف المواطن عاجزا عن تفسير ما يدور حوله من مؤامرات ومتاهات انتجت خللا في المعادلة السياسية ,من ضبابية ضياع البوصلة وفقدان الدولة، وتهديد أمن وثوابت العائلة الأردنية الاجتماعية والأمنية بل والحالة المستقرة التي كان يعيشها المواطن .ففي الداخل صراع سلطة من القصر حتى مكاتب الوزارة وفي الخارج صراع وجود ووصاية , قد تصل بنا الى فوضى عمياء وعنف وانفلات امني يختلط فيها الصالح بالطالح. ولن نغفل عن ما يردده الاعلام الاسرائيلي عما ينتظر الاردن من تغييرات جوهرية نهاية العام الحالي والسؤال الكبير هو، من يدفع الاردن الى هذا المصير؟
كاتبة من الاردن