2024-11-30 05:50 ص

سفيرة واشنطن أم تل أبيب؟

2019-08-30
بقلم: عبدالله قمح
لم تكد تمضي ساعات على ما نشرهُ "ليبانون ديبايت" حول وجود أوامر لجنود الجيش اللبناني بالاشتباك جنوباً، حتى استنفرت السفارة الأميركية أجهزتها الإستعلامية بحثاً عن أية معلومات بهذا الصدد. 

وما زاد من تأهّب الباب العالي في عوكر، أنّ الكلام رُبِط بتحرّكٍ ميدانيٍّ من خلال إطلاق جنود من فوج التدخل الخامس النار صوب 3 مُسيّرات إسرائيلية فوق بلدة العديسة الحدودية ليلاً
"الفعلان المتزامنان"، دفعا بالسفارة، وفق ما تؤكّد مصادر عليمة، إلى إجراء عملية تقييم شاملة بشأن "الفعل وردّه" من خلال مباشرة التنفيذ الميداني لدى الجانب الرسمي اللبناني، وإلى المدى الذي سيبلغه الجيش في "تدخله" بالمناوشة القائمة بين حزب الله من جهة وإسرائيل من ناحية ثانية!

أكثر ما استفزَّ الأميركيين، هو تناول الجيش أسلحة أميركية الصنع في ردِّه على "المُسيّرات" وهو ما تعتبره واشنطن "خرقاً لموازين القوى" ولو أتى ذلك من فوهات بنادق فردية! 

وبعد ساعاتٍ على حادثة "العديسة - 2" وفرار المُسيّرات على وقع اختباء جنود العدو خلف دُشمهم في موقع مسكاف - عام وإكتفائهم بمشاهدة طلقات الجيش تنبعث صوب السماء، اشتغلت المحركات الأميركية في بيروت دفعًا نحو نصح الجيش بضرورة البقاء على الحياد في أيّ مواجهة "يفتعلها" حزب الله، وهو ما أوحى بأنّ "جهاز السفارة" بدا غير سعيدٍ باستخدام أسلحته في مواجهة السلاح الأميركي على الطرف الآخر، والذي تعتبره واشنطن صاحب شرعية!

ما يدفع إلى اثارة الانتباه، أنّ سفارة واشنطن في بيروت تتصرّف بالشيء ونقيضه في آنٍ معاً، وتعمل على جعل نفسها وكأنها راعية للشؤون القومية اللبنانية، إذ تُبيح لنفسها منطق التدخّل في شأنٍ سياديٍّ لبنانيٍّ صرفٍ والتحوّل إلى ناقل رسائل إسرائيلية "ساخنة"، من خلال الإشارة إلى الأضرار الجسيمة المترتّبة عن خطوة الجيش اللبناني التي قد تلحَق بلبنان ضرراً، وإلى مدى بلوغها مستوى الابتزاز وتجاوز حدود النصح إلى محاولة إخافة الجيش واللبنانيين من ردّ فعل إسرائيلي "عنيف".

والملفت، أنّ السفيرة الأميركية لدى بيروت، التي تحاول أمام زوّارها الاستخفاف بالاعتداء الإسرائيلي وتصوِّره على أنه "فعل محدود"، تُعاكس مواقف أميركية أخرى صدرت بشأن التحرّكات الإسرائيلية الأخيرة في العراق، مثلاً.

وبينما أبدت قيادة القوات الوسطى الأميركية إنزعاجها من رُزمة الإستهدافات الإسرائيلية التي طاولت المراكز التي تتبع للحشد الشعبي في العراق وابلاغها تل أبيب الخشية من كشف أكثر من 5200 جندي اميركي منتشرين في بلاد الرافدين وتحويلهم إلى أهداف ثابتة ومتحركة، تقوم الدبلوماسية الأميركية في بيروت بالاشادة بالخطوة الإسرائيلية وتمرير رسائل تهديد إلى السلطة السياسية في بيروت، تحمل بصمات الموساد وبنيامين نتنياهو!

حيث أنّه، في أحدث فعل "مسخرة" أميركي، قالت السفيرة اليزابيث ريتشارد أمام مسؤولين لبنانيين التقتهم خلال السّاعات الماضية، أنّ ما حصل في ضاحية بيروت الجنوبية، هو حدثٌ "متوقّعٌ لكون حزب الله يتجاوز الخطوط الحمراء".

وما يثير الدهشة من مدى التجاوز الأميركي للحدود السيادية، تعمّد السفيرة الأميركية تمرير رسائل تهديد ثلاثية الأضلاع نحو لبنان.

الأولى، بإتجاه حزب الله، إذ اعتبرت، أنّ تهديداته بالردّ "قد تؤدي إلى جرّ لبنان نحو محرقة"، داعية هؤلاء السياسيين، إلى "الطلب من الحزب ضبط تصرفاته ومراقبتها لأن إسرائيل لا تمزح".

الثانية، صوب الجيش، محذّرة، من مغبة أن تسلك المؤسّسة العسكريّة درباً قد يحوِّلها الى هدف إسرائيلي في أي مواجهة مقبلة، مذكِّرةً بدور واشنطن في ثني تل أبيب عن ضمّ الجيش إلى قوائم الأهداف.

أما الرسالة الثالثة، فهي على المستوى السياسي، إذ بدت "المفوض السامي المنتدب من واشنطن وتل أبيب في بيروت"، غير راضية على ما آلت اليه الأمور على مستوى الحكومة وكذلك المجلس الأعلى للدفاع، حيث وردت في بيانات المجتمعين عبارات لا تستسيغها واشنطن، كـ"حق اللبنانيين في الدفاع عن النفس بكلّ الوسائل ضدّ أي اعتداء"، وهو ما رُبطَ في منحِ تغطيةٍ لردِّ حزب الله المنتظر.