2024-11-30 05:50 ص

مصير صفقة القرن في ظل الانتخابات الإسرائيلية

2019-09-13
سركيس أبوزيد

يواصل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياھو ھجومه الانتخابي، ولا يوفر أي وسيلة لاستخدامھا في المعركة التي باتت أشبه بمعركة حياة أو موت، إذ إن فقدانه السلطة سيعني أنه سيدخل السجن بعد إدانته بتھم الفساد.

نتنياھو الذي يشعر بأن احتمالات فقدانه الحكم صارت أكبر من أي وقت مضى، يتحرك في كل الاتجاھات. يزور لندن وموسكو، يغازل ترامب وبوتين، يصعّد عسكريًا ويقصف الحشد الشعبي في العراق ومواقع إيرانية على الحدود العراقية - السورية وداخل سوريا، ويرفع درجة تھديداته لحزب الله.

وفي حين تبدو فرضية واحتمالات سقوط ترامب في الانتخابات الرئاسية ضعيفة في ظل المعطيات الأميركية الداخلية، فإن فرضية واحتمالات سقوط نتنياھو في الانتخابات العامة تبدو قوية وجدية. وفي حال فشله في الانتخابات أو في الحكومة، فإن ترامب يخسر حليفًا أساسيًا وتكون "صفقة القرن" فقدت المرتكز الإسرائيلي لھا.

"صفقة القرن"، وبمعزل عن الانتخابات الإسرائيلية ونتائجھا، كانت تلقت ضربات متلاحقة لتصبح في حال ترنح واحتضار، خصوصًا بعدما فشل مؤتمر البحرين في تحقيق أھدافه، ونجح الفلسطينيون في الحصول على مواقف سياسية عربية داعمة. كل ذلك، شكل جرس إنذار لإدارة ترامب التي بدأت تشكك في ظروف ومقوّمات نجاح "صفقة القرن" وتتجه الى تأجيل الإعلان عن شقھا السياسي، وبإمكانھا أن تتذرع بالانتخابات الإسرائيلية المقبلة وحساسية ھذا المشروع وتأثيراته السياسية المحتملة على الحملات الانتخابية.

ھذا التخبّط الأميركي في التعاطي مع "صفقة القرن"، والذي يعكسه التأجيل المتكرر لموعد إعلانھا ونشرھا، يعود الى جملة أسباب، أبرزها:

1- حالة الغموض وعدم اليقين السياسي في "إسرائيل"، مع وضع مفتوح على خلط أوراق نتيجة ما حصل من إعادة للانتخابات الإسرائيلية التي يسود ترقب بشأن نتائجھا ومفاجآتھا إذا لم يحقق نتنياھو فوزا واضحا.

2- حاجة نتنياھو الى تحسين وضعه الشعبي وشد العصب وكسب التأييد في صفوف اليمين والرأي العام، وھذا لن يكون إلا من خلال المضي في خطته الھادفة الى إبقاء لھيب التوتر العسكري قائما ولكن بمستوى منخفض لا يتدھور الى الحرب.

3- الموقف العربي المترنح وغير الجاھز لـ"صفقة القرن" في ھذه المرحلة لسببين:

الأول: يتصل بالموقف الفلسطيني الذي يستحيل على القادة العرب تجاوزه أو تجاھله، والذي انتقد بقوة تحركات الإدارة الأميركية، وما عرضته من تفاصيل ومشروعات اقتصادية، وھاجم الخطة الأميركية المقترحة لأنھا تجنبت مناقشة التوصل لتسوية تقوم على حل الدولتين.

الثاني: يتصل بالطريقة التي يخوض بھا ترامب المواجھة مع إيران التي عدّلت أولوياته على حساب "صفقة القرن"، وھذه الطريقة لا تحظى بثقة ورضى القادة العرب، وتحديدا قادة الخليج، وبالتالي، لا يمكن للسعودية خصوصًا أن تندفع في تغطية "صفقة القرن" في وقت تتراءى أمامھا محاولات واشنطن ابرام "صفقة" أميركية - إيرانية.

4- الموقف الأوروبي غير المؤيد لـ"صفقة القرن" التي تتعارض مع الأساسيات والمبادئ الأوروبية في مسألة الصراع "الإسرائيلي - الفلسطيني". ولذلك فإن الدول الأوروبية، خصوصًا فرنسا، لم تطرح الملف الفلسطيني - الإسرائيلي في قمة مجموعة الدول السبع التي عُقدت في منتجع بياريتز الفرنسي، وبحسب مصادر دبلوماسية فرنسية، فإن السبب الرئيس يكمن في التشكيك في السياسة الأميركية التي تنتقل من تأجيل الى تأجيل في الإعلان عن تفاصيل "صفقة القرن". والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لم يعد يعلّق الآمال على خطة الرئيس ترامب، مشددا على صعوبة فرض اتفاق على أطراف لا ترغب في التفاوض. فھو وفق مصادر دبلوماسية عربية في باريس لا يأخذ بعين الاعتبار السياسة الاستيطانية الإسرائيلية، ولا ممارسات "تل أبيب" الأخرى، ولا القرارات التي اتخذھا ترامب مثل الاعتراف بالقدس عاصمة لـ"إسرائيل"، ونقل السفارة الأميركية إليھا، وكلھا تدابير تدفع القيادة الفلسطينية إلى رفض التفاوض في ظلھا.

في ظل كل هذا فإن بنيامين نتنياھو يواجه آخر الاختبارات وأصعبھا: إما أن يفوز ويبقى في رئاسة الحكومة محطمًا الرقم القياسي لـ"ديفيد بن غوريون" مؤسس دولة "إسرائيل"، وإما أن يخسر ويخرج من رئاسة الحكومة ومن الحياة السياسية.

 ومؤخراً أعلن نتنياهو اعتزامه ضم غور الأردن الى "إسرائيل" بعد الانتخابات في حال فاز بھا. وھذا الإعلان، وإن حصل لأھداف وغايات انتخابية، إلا أنه ينطوي على أھمية سياسية واستراتيجية، ومن حيث الأھمية يُعتبر إجراءً موازيًا ومكملًا لإجراءين سابقين: نقل السفارة الأميركية الى القدس، وضم الجولان الى "إسرائيل" باعتراف أميركي.

ويشكل ضمّ غور الأردن، أيضًا، تكريسًا للفصل الجغرافي بين فلسطينيي الضفة الغربية وفلسطينيي الأردن، الذين يمثلون عمقًا ديموغرافيًا لأي كيان فلسطيني قادم. وھكذا، تكون "إسرائيل" نجحت في تطويق عمق الضفة الغربية عبر حاجزين: الأول شرقي يضمّ غور الأردن، والثاني غربي ھو الجدار الفاصل الحالي.

من الواضح أخيراً، أن "صفقة القرن" انتھت قبل أن تبدأ أو تُعلن، وأن الجانب السياسي منھا لن يُعلن بسبب عدم توافر ظروف ومقوّمات ھذه الصفقة. ومؤتمر البحرين فشل في تحقيق ھدفه لجھة التمھيد لـ"صفقة القرن" وفتح الطريق أمامھا للانتقال الى مرحلة التنفيذ. وأي مبادرة أو خطة اقتصادية بمعزل عن حل سياسي للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي واتفاق "سلام" شامل لن يُكتب لھا النجاح ولا يكون تنفيذھا ممكنًا، وليس في وسع أميركا أن تفرض تنفيذھا، خصوصًا وأنھا في ھذه المرحلة منشغلة بالمواجھة مع إيران وأظھرت حتى الآن ضعفًا وترددًا في ھذه المواجھة ما انعكس سلبًا على صورة ترامب ومصداقيته والثقة به، وھذا يعني أن خطة السلام سيتم تأجيلھا، أو ربما سيُصار الى صرف النظر عنھا. في الواقع، ما تنتظره واشنطن ھو مصير نتنياھو في ھذه الانتخابات الحاسمة.
موقع "العهد الاخباري"