بقلم: ناصر السهلي
يبدو أن العالم العربي في العام الجديد 2020، باق حيث كان 2019 وسابقاته. فلا اختلاف بين هوان تعيشه أوطان في ظل أنظمة تدعي غرفها من الشريعة الإسلامية وعسكريتارية أمنية ومليشياوية موغلة في توحشها، للسيطرة على الدول واستهداف عقل العربي.
ففي السعودية، التي انتفضت رعباً من قمة كوالالمبور، يختلط فرض التغريب الصادم، باسم تسريع "التطوير"، مع الإمعان في الاستخفاف بعقول ناس هذه الأمة.
فمهزلة "الأحكام القضائية" في جريمة قتل جمال خاشقجي، إلى جانب احتقار ذاتي، بالأفعال، لمكانة السعودية عربياً وإسلامياً، تختزل الواقع المأساوي والمحزن الذي وصلت إليه الرياض لا سيما بعدما ألحقت نفسها بسياسات حاكم أبو ظبي في مواجهة شارع عربي مطالب بكرامته وحريته. ولا يبدو 2020 سيعفي عقولنا من تلوث الصبيانية الارتجالية، في السياسة المنتهجة بعد تبرئة كبير مشغلي المستشارين.
أما في سورية، فلم يتوقف إجرام نظام الأسد، الذي أمِن العقوبة بتسليم سلاح مذابح الكيميائي. وسورية تعتبر دليلاً على قيمة صفرية لمؤسسات عربية رسمية تنضح بنفاق الموقف من قصف وتدخل روسي-إيراني يدمر الحجر والبشر، ليس في إدلب فحسب، مثلما تقدم نموذجاً مرعباً عن استخدام مذابحها من نظام القاهرة الانقلابي لتخويف الناس وإخراس المعارضين، والرضوخ للديكتاتورية القمعية أو لواقع مصر المأساوي.
وعلى الرغم من اتضاح الهدف من هذه البلادة الظاهرة عند النظام الرسمي العربي، وانتقائية البيان الاستنكاري، يجمع بعض ساسة الخليج وغيره بين الهرولة نحو تل أبيب وإقامة أفضل العلاقات مع طهران وموسكو، الداعمتين لجرائم الأسد، ويطرب بعضهم لدعوات الأمين العام لجامعة الدول العربية إلى إعادته للحظيرة.
فلا عجب إذاً أن يكون نظام القاهرة بهذا المستوى المتفاخر كذباً عن أن نساء بلده ساعدنه بإخراس أصوات الرجال كي لا تحتج على تدهور المعيشة ونهب ثروات البلد وتحويل "أم الدنيا" إلى سجن كبير. ولا عجب في السياق، كل هذا التذلل لعبد الفتاح السيسي أمام النفاق الأميركي والغربي عموماً، شأن بقية طالبي مشروعية الحكم من الخارج، بالدوس على كرامة وسيادة أوطانهم.
باختصار إن مقدمات مشهد 2019، من اليمن والخليج إلى مصر فليبيا، لا تبشر للأسف في 2020 إلا بما هو مأساوي، ما لم ينتبه بعض نخب السياسة والاجتماع لما يختمر من إحباط لدى شباب عربي، وما يمكن أن يولّده الإمعان في احتقار هذا الجيل وطلبه الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية، فهو أبداً ليس استثناء في تجارب أممية اشتعلت فيها ثورات عنيفة حين استعصى الانتقال الحقيقي نحو الديمقراطية والمواطنة والعدالة.