بقلم: نبيه البرجي
في خريف 1986، قال لي المستشرق الفرنسي جاك بيرك «لكأنكم في مأزق مع الله». السبب في التأويل القبلي حتى للنص الالهي. صاحب «اعادة قراءة القرآن» قال ايضاً «أخشى عليكم أن تتحولوا الى اشكالية وجودية، أو الى اشكالية تاريخية، في الشرق الأوسط».
بيرك سبق محمد أركون في التحذير من انزلاق العرب الى نقطة التقاطع بين جاذبية الغيب وجاذبية العدم. «ربما هذا الذي جعلكم تفهمون التاريخ بتلك النظرة الثأرية. نبش للقبور، دون انتاج الديناميكية التي تدفع نحو التفاعل مع ايقاع (أو مع جدلية) الأزمنة».
لا يتمحور الصراع بين السنّة والشيعة في لبنان، بل وفي أرجاء المنطقة، حول القبور؟ الأتراك والايرانيون لا يرون فينا كائنات بشرية. هكذا قال الشاه محمد رضا بهلوي «من هنا ـ أي من ايران ـ لا بشر». لو كان لا يزال حياً حتى الساعة لقال «من المحيط الى الخليج لا بشر».
بابات رجب طيب اردوغان ترابط في قلب الخليج عقب انفجار الخلاف بين التوأمين السعودية وقطر. قريباً، دباباته في ليبيا بتلك الأوديسه الدموية التي بدأت بسقوط نظام معمر القذافي.
نفهم أن سوريا تقع بين الهاجس العثماني، والعودة الى دمشق، والهاجس التوراتي الذي دعا، في سفر أشعيا، الى أن تصبح دمشق «ركاماً من الأنقاض». ولكن ماذا فعلت دولتان، «جبارتان» وجارتان، هما مصر والجزائر، لاقفال الأزمة في ليبيا؟
اردوغان الذي دمر سوريا بضوء أخضر أميركي يعتبر أن نقطة ضعف بلاده هي النفط. اذ حال الأميركيون دون استحواذه على النفط السوري، والعراقي، اتجه الى الضفة الأخرى من المتوسط. لن يدفع، سنوياً، 50 مليار دولار ثمناً للنفط بل قد يصبح القيّم على النفط الليبي بمخزوناته الهائلة. هذا ما لم يصل اليه كل سلاطين بني عثمان.
رئيس التركي راهن على حزب النهضة الاسلامي. زار تونس علّه يحتاج الى الأرض التونسية، أو الى الظهير التونسي. موقف الرئيس قيس سعيد كان تاريخياً. لا اصطفاف.
ماذا تقول القاهرة التي قد تكون أمام التراجيديا الكبرى اذا ما أصرّت أثيوبيا على موقفها من سد النهضة؟ لا شيء. هل من سبب لذلك الخواء في الحالة العربية؟
الآن، العراق مسرح نموذجي للصراع بين أميركا وايران . الدولة تتلاشى على أرض الرافدين. هذا يستدعي السؤال عن الفارق بيننا وبين الايرانيين الذين اذ يجابهون الأمبراطورية، يمضون، بخطى حثيثة، في المسار التكنولوجي، بما في ذلك التكنولوجيا النووية. أيضاً، بيننا وبين الأتراك الذين يعرفون كيف يلاعبون دونالد ترامب. الرئيس الأميركي يدرك جيداً ما هي التداعيات الدراماتيكية لتواجد تركيا وايران، ولو تكتيكياً، في خندق واحد.
قف للتدهور. اين السنّة والشيعة في ليبيا؟ صراع بين السنّة والسنّة، تماماً مثلما يتصارع الشيعة والشيعة في العراق. انه البلاء العظيم...
كل هذا، ولا تزال فلسطين في البال (بال من؟). تابعنا مقابلة تلفزيونية مع صائب عريقات الذي لا يزال على اجتراره اللغوي، والديبلوماسي، الذي يحطم الأعصاب، وما وراء الأعصاب.
المضحك (المبكي) تلك الأسئلة حول مآلات التطبيع. قد يكون هؤلاء قد نسوا أن مصر، دولة السبعة آلاف عام، ابرمت معاهدة سلام مع مناحيم بيغن، وها هي تتولى تسويق الغاز الاسرائيلي. الأردن الذي يفترض أن يكون الأكثر استقطاباً للحالة الفلسطينية يسند ظهره الى اتفاق وادي عربة.
ماذا عن منظمة التحرير الفلسطينية التي وأدت القضية تحت الثلوج، وتحت الورود، في أوسلو؟ تماثيل الشمع في رام الله. هؤلاء هم الشهود على سقوط القضية، وعلى سقوط الأرض.
مأزقنا ليس فقط مع الله. بالدرجة الأولى مع الآلهة الذين فوق أكتافنا...