بقلم: نهلة الشهال
يتوقف الأمر برمته على الموقف الفلسطيني مما طرحه ترامب ونتنياهو بشكل علني ورسمي في 28 كانون الثاني / يناير تحت مسمى "صفقة القرن" و"الفرصة الاخيرة" الخ...
فكل ما تحمله الوثيقة الطويلة وملحقاتها منفّذٌ على أرض الواقع. ضم القدس واعتبارها "العاصمة الموحدة لاسرائيل" قد تمّ، واقامة المستوطنات الهائلة على أراضي الضفة الغربية (حيث هناك رسمياً 600 الف مستوطِن يعيشون فيها) قد تمّ، وضم الجولان تمّ، ووضع غور الاردن تحت الحكم العسكري الاسرائيلي المباشر تمّ (وهو يمثل 30 في المئة من أراضي الضفة الغربية، وأكثرها خصوبة وثراء بالماء)، ورفض الاعتراف بوجود مشكلة نازحين أجبروا على ترك أراضيهم في 1948 و1967، وتشتتوا في دول الجوار وفي العالم، قد تمّ، وفوق ذلك انسحبت الولايات المتحدة الامريكية من تمويل الأنروا، وتعمل هي واسرائيل على إلغائها رسمياً باعتبارها تساهم في "تأبيد المشكلة"!
هناك ما لم تنفّذه اسرائيل بعد، وخصوصاً نزع قرى المثلث العربية من أراضي 1948 والحاقها بالضفة الغربية وتجريد سكانها من الجنسية الاسرائيلية. وهو حلمٌ اسرائيلي يتعلق بالتخلص من هذه الكتلة السكانية العربية. وهم على ذلك يسمونه في "الصفقة"، وبكل أريحية وعدالة، "تبادل أراضي"! أي يأخذون بمقابل المثلث أراضي المستوطنات ويضمونها الى اسرائيل!
فلنتجاهل أنه في حفل الإعلان الرسمي عن الصفقة في واشنطن كان هناك، الى جانب نتنياهو، سفراء الامارات العربية المتحدة والبحرين وعُمان، الموكلون بسداد ال 50 مليار دولار التي وُعد بها الفلسطينيون. وهم ببلاهة فرحون بالمهمة، ويعتقدون انها ترفعهم بنظر سيّدهم... وغاب عن الحفل ممثل السعودية، ربما جزعاً من الاشتراك في الخيانة، أو استياءً لعدم تلبية طلب الرياض وضع الاماكن الاسلامية المقدسة في فلسطين تحت رعايتها، أو تردداً.. لا يهم! لا يهمون!
منتقدو الصفقة كثر، باعتبارها تخالف القوانين الدولية وكل قرارات الامم المتحدة في الصدد، وباعتبارها إمعاناً في التفسير الاستنسابي والانتقائي - لمصلحة اسرائيل - للصفقة السابقة عليها، أي أوسلو، مما لن ينتج عنه أي استقرار أو رضا. بل ثمة من ينتقدها ويعارضها خوفاً على إسرائيل نفسها، ويعتبر أنها في الواقع العملي تقيم دولة واحدة، اسرائيلية – فلسطينية، مستحضرين، من بين اشياء أخرى كثيرة، الاعتبار الديمغرافي الذي ليس لمصلحة اسرائيل، لا اليوم، ولا خصوصاً بعد سنوات قليلة.
حسناً، طالما أن فلسطين محتلة منذ 1948، وأن احتلالها هو بالاصل نتاج عملية استعمارية أعلنها وزير الخارجية البريطاني، اللورد بلفور في 1917، وأن الفلسطينيين ارتضوا لمرةٍ واحدة وحيدة، في 1993، ما ظنوه تسوية وما كان إسمه الرسمي بالغ الدلالة: "إعلان المبادئ حول ترتيبات الحكم الذاتي الإنتقالي"، وما جرت مفاوضات طويلة بشأنه في أوسلو، استغرقت أكثر من سنتين، ثم وُقّع في واشنطن برعاية الرئيس الامريكي كلينتون.. وفشل في أن يكون تسوية لأي شيء، وتردّت من بعده أحوال الفلسطينيين بكل تفاصيلها، وأحوال القدس والمسجد الاقصى، وصارت انتفاضة ثانية ثم مواجهات لا حصر لعددها، وصارت السلطة الفلسطينية "متعاقداً أمنياً" لخدمة الاحتلال، ورأينا العجب العجاب لجهة الفساد والقمع والعجز.. طالما كل ذلك، فما هو المأمول اليوم من "صفقة" لم يُستشاروا حتى بشأنها، وتنضح بنودها بتدابير الإذعان التام. فما مصلحة الفلسطينيين بها؟
السر أن القبول الفلسطيني شرط لازم لاتمام العملية، ومن دونه تبقى "صفقة القرن" عدواناً استعمارياً إضافياً فاقداً للشرعية القانونية والاخلاقية. والضغوط لكي يقبل الفلسطينيون بها، أو يقبلوا حتى بالتفاوض بشأنها مردها الى هذه الحقيقة.
وبهذه المناسبة، قال ابو مازن، رئيس السلطة الفلسطينية، أنه ضعيفٌ ولكنه ليس خائناً. وعليه التمسك بذلك فعلاً. وربما آن الاوان لكي يستعد هو وجهازه الهائل الذي بُني في ظل ما صارت عليه اتفاقية أوسلو (وما كان متوقعاً لها ومنها على أيّ حال)، أن يستعد لطي حقائبه والمغادرة أو ارتضاء السجن. ولو بقي فعلٌ أخير يمكن التفكير فيه، فهو ربما كان الذهاب الى الأمم المتحدة والاعلان من هناك أن السلطة تطلب حماية عبر الوصاية الدولية على الشعب المقهور والمحتل، وأنها لن تستمر بعد اليوم في إدارة الوضع الامني والاداري والمعيشي للشعب المقهور والمحتل، نيابة أو وكالة عن اسرائيل.
أما لو قبل الفلسطينيون بأية درجة من التعامل مع العرض الامريكي - الاسرائيلي الحالي، فسينهار كل سدٍ أمام توسع النفوذ الاسرائيلي في المنطقة، وسيتلاشى حقهم بأي شيء، الآن وفي المستقبل.
فلتبقَ "صفقة القرن" عدواناً!
السفير العربي