بقلم: نبيه البرجي
بضوء أخضر أميركي، وبتغطية عربية كاملة الأوصاف،بات باستطاعة بنيامين نتنياهو أن يفعل بالفلسطينيين ما يشاء. العنوان التوراتي: دولة يهودية.
اذاً، الأيام المجنونة في الشرق الأوسط. لن يبقى فلسطيني واحد على أرض تلك الدولة...
هذا هو السياق الايديولوجي، والسياق الاستراتيجي، لـ«صفقة القرن». غالبية القادة العرب أخذوا علماً بأن بقاءهم رهن بتنفيذ الخطة. حراس الهيكل بالكوفية والعقال...
الصفقة، بمندرجاتها الهائلة، لا تستحق أكثر من اجتماع لوزراء الخارجية العرب، بقاماتهم الببغائية. منذ قمة بيروت عام 2002 (وكفى ضحكاً علينا)، العرب وضعوا سيوفهم جانباً. زمن الصراع العسكري، ولو بالحجارة، ولو بالسكاكين، انتهى.
القيادة الفلسطينية تواطأت آنذاك مع الأفكار التي صاغها توماس فريدمان. وحين أصرّ لبنان وسوريا على ادراج حق العودة، سقطت المبادرة على أبواب فندق فينيسيا.
عملياً، اجتثاث أي أثر للفلسطينيين من البحر الى النهر. الأميركي فرانك غافني أثنى على براغماتية (وعقلانية) القادة العرب الذين احتفوا بتنازل اسرائيل عن أجزاء أساسية من الوعد الالهي.
سفر التكوين قال «في ذلك اليوم قطع الرب مع أبرام (ابراهيم) ميثاقاً قائلاً لنسلك أعطي هذه الأرض من نهر مصر الى النهر الكبير نهر الفرات».
سفر التثنية قال «تحولوا وارتحلوا، وادخلوا جبل الأموريين، وكل ما يليه من العربة، والجبل، والسهل، وساحل البحر أرض كنعان ولبنان الى النهر الكبير الفرات». و قال أيضاً «كل مكان تدوسه بطون اقدامكم يكون لكم في البرية ولبنان، من نهر الفرات الى البحر الغربي يكون تخمكم».
وقال سفر يشوع «من البرية ولبنان هذا الى النهر الكبير نهر الفرات. جميع أرض الحوثيين والى البحر الكبير».
ما يثـير الـذهول هنا ليس كون المؤرخ الاسرائيلي بني موريس يرى في بعض الآيات القرآنية تكريساً للوعد الالهي، بل لأن تعليمات أعطيت الى بعض المرجعيات الديـنية العربية بالترويج السيكولوجي لذلك باتجاه احداث تبدل في «الرؤية الوجدانية» لفلسطين.
نسأل: لماذا اختص ابراهيم العبرانيين، دون العرب، وهم من ذريته، بتلك الأرض الشاسعة، وهم مجرد قبيلة؟ عرب الجنوب هم من اشاروا على العبرانيين بتحويل يهوه من اله قبلي الى اله كوني.
لن ندخل في المتاهة اللاهوتية. مؤرخون كثيرون أشاروا الى تلاعب الأحبار بالوقائع، وبالنصوص. نحن أمام واقع مختلف. لاحظتم كيف ورد اسم لبنان في أكثر من نص توراتي.
بنيامين نتنياهو لن يترك عرب الجليل في مدنهم وقراهم. متوجس من أن «حزب الله» الذي يخطط لاختراق الخط الأزرق، اذا ما اندلعت الحرب، يراهن على التعاون مع هؤلاء العرب عملانياً، ولوجيستياً. اذاً، عرب الجليل الى لبنان. أمير تيبون، الكاتب الاسرائيلي، يعتبر أن «نصرالله لن يسمح بذلك. حتماً يرى في الترحيل اعلاناً للحرب. احذروا...»!
بطبيعة الحال، لا بد من التخوف من أن تزداد الضغوط المالية، والاقتصادية، الأميركية على لبنان ليجد نفسه أمام هذين الخيارين... اما التفكك أو التوطين.
التنفيذ ليس سهلاً، وقد لا يكون ممكناً، كما يتصور الأميركيون، والاسرائيليون، والعرب. الأوروبيون، وبينهم البريطانيون، يتوقعون نشوء حالات راديكالية عاصفة في الشرق الأوسط، ليس بالضرورة أن تكون اسلامية.
موجة من الاغتيالات الحساسة التي يمكن أن تحدث تغييرات دراماتيكية في المشهد الاقليمي. هذا لن يكون، في أية حال، لمصلحة الأميركيين أو الاسرائيليين.
على من صاغ الخطة، ومن تولى تسويقها، ومن تعهد بتمويلها، أن يعلموا أن المنطقة داخل الاحتمالات. من يبقى ومن لا يبقى، الله أعلم...