2024-11-29 06:26 م

من شباط إلى اّذار .. رزنامة مهرج عثماني

2020-02-29
بقلم: ميشيل كلاغاصي
لأنها لا تريد إنتهاء الحرب في سوريا ,لأنها وضعت كل ما تملك من هيبة وسمعة ومصلحة ونفوذ في رهانها على الإرهاب والفوضى, لأن مشروعها دموي تدميري تخريبي تقسيمي, لأنها رأس الديمقراطية الكاذبة والحرية المشوهة , سيبقى السلام يفضحها والحق يهزمها...لأن ملفات الحرب أصبحت شائكة ومعقدة , وباتت كل الإحتمالات مفتوحة , مع تصاعد غبار وجلجلة العربات والدبابات والناقلات وصفير الصواريخ وهدير الطائرات الأمريكية والإسرائيلية وربما التركية , وسط إعتمادٍ كلي على جيوش التنظيمات الإرهابية – القاعدية , وكل من حمل السلاح في وجه الدولة السورية. وبات واضحا ً سعي واشنطن لمنع انهيار الإرهاب في ادلب أمام تقدم الجيش العربي السوري , وبمنع أردوغان – الضامن , من تنفيذ تعهداته أمام روسيا وإيران , بهدف زعزعة التقارب التركي – الروسي , حتى لو كلفها إطلاق اليد العسكرية - العثمانية في سوريا , الأمر الذي يسرّ قلب أردوغان , وربما سيكون بوابة رحلته نحو الجحيم. فبعد عامين على المراوغة والنفاق , وعدم تنفيذ التعهدات التركية في أستانا وسوتشي , وبعد نفاذ الصبر السوري , وبعدما احتاجت الدبلوماسية السورية والروسية وغيرهما , لتذكير تركيا ومجلس الأمن والمجتمع الدولي, بأن إدلب هي محافظة سورية , وأن ومن واجب الدولة والجيش تحريرها وأهلها من الإرهاب , وبطرد قوات الإحتلال التركي من أراضيها... ويأتي القرار السوري بتنفيذ ما اتفق عليه ولم يُنفذ تركيا ً, بالقوة العسكرية , قرارٌ حظي بموافقة ودعم روسيا وإيران وكافة الحلفاء في محور المقاومة , وبدأت العملية العسكرية , وحققت تقدما ً سريعا ً أدهش الأعداء والعالم , تم فيه إستكمال تحرير أرياف حلب الجنوبية والغربية , وإبعاد الخطر الإرهابي وقذائف حقده عن أحياء حلب من الراشدين /5/ وصولا ً حتى المنصورة , وتم تحرير تلة العيس الإستراتيجية , وعشرات البلدات والقرى , واستعادة السيطرة على الطريق الدولي حلب – دمشق المعروف بـ M5 , واتجهت وحدات الجيش لتحرير طريق حلب – اللاذقية المعروف بـ M4 , وتقدمت نحو بلدة النيرب وسط أعنف الإشتباكات المباشرة بمواجهة قوات الإحتلال التركي , والتنظيمات الإرهابية التي تعمل بإمرتها , والتي زودتها بأحدث الأسلحة ومضادات الطائرات , ووسط زحفٍ غير مسبوق لأرتال الجيش التركي التي عبرت الحدود , بهدف منع تقدم الجيش السوري وحلفائه نحو إدلب , وسط إنهيارٍ تام في معنويات الأتراك وإرهابييهم , وعلى وقع طردهم من مئات الكيلو مترات المربعة , وتكبيدهم خسائر فادحة في العتاد والأرواح , وسقوط عديد الجنود الأتراك ما بين قتيل وجريح . أردوغان يبحث عن الدعم الأمريكي والأطلسي والأوروبي ... لم يكن أمام أردوغان سوى الصراخ , وإطلاق وعيده وتهديده , لوقف العملية والتقدم العسكري السوري , وإنسحاب وحدات الجيش العربي السوري وحلفائه من الأراضي والمساحات التي تم تحريرها , وذلك خلال مهلة /25/ يوما ً تنتهي مع نهاية شهر شباط الحالي. وسارع لإستجداء الدعم العسكري الأمريكي والأطلسي, لكن واشنطن لم تقدم له – في العلن – الدعم المرجو , ووضعت شروطها لإنسحابه من إتفاقية المنظومة الصاروخية الروسية S400 مقابل تزويده بمنظومة الباتريوت الأمريكية. وحاول طرق الباب الروسي بعدما رفع سقف تصريحاته وصراخه , وبحث عن قمةٍ تركية – روسية , لم يحظَ بها , وبالكاد حصل على لقاء روسي – تركي في أنقرة , تلاها لقائين في موسكو , لم تُسفر جميعها عن أية نتائج , فلجأ إلى الإتصال الهاتفي المباشر مع الرئيس بوتين , لكنه انتهى بنهاية تقليدية وبالتأكيد على ثوابت البلدين وإلتزاماتهما. يبدو أن السعادة لم تعد تعرف طريقها نحو قلب أردوغان , واستُبدلت بكوابيس الهزيمة الكبرى , ما دفعه للصراخ مستجديا ً كل من لجأ إليهم , مستنهضا ًهممهم ودعمهم ومحذرا ً إياهم من الهزيمة الكبرى , وأن مشروعه العثماني – الإخواني يقف على شفير الهاوية ويقول: " سياساتنا في سوريا وليبيا ليست مغامرة أو خيارا ًعبثيا ً, وإن تهرّبنا من النضال سيكون الثمن باهظا ً ". وقد جاء استجدائه للإدارة الأمريكية كونها تشكل رأس هرم الدولة الأمريكية – صاحبة المشروع الأساسي - من جهة , والقائد الأوحد للناتو من جهةٍ أخرى , والتي لا تبدو بوارد تقديم ما يرغب به من دعم عسكري أطلسي , فيما يبقى من المحتمل أن تقدم أمريكا – ترامب دعما ً بديلا ًعبر الكيان الإسرائيلي. كما حاول بغباءٍ شديد استجداء الدعم الأوروبي الفرنسي والألماني , ذاك الدعم الذي لطالما افتقده , وحظي بالمقابل بكراهية أوروبية , وبمنع دخوله الإتحاد الأوروبي , بالإضافة إلى تهديده الدائم بترحيل اللاجئين - والإرهابيين ضمنا ً- , على الرغم من الإستعداد الذي أظهره الأوروبيون لصد موجات اللجوء والنزوح , بدءا ً من الأراضي اليونانية , لكن يبقى بمقدوره شن هجماتٍ إرهابية داخل أوروبا عبر إرهابييه ومرتزقته.... ومن جهة أخرى يملك الأوروبيين, وجهان أيضا ً, الأول كأعضاء في حلف الناتو , وبالتأكيد لن يستطيع الفرنسيون أوالألمان الخروج من بيت الطاعة الأمريكي – أطلسيا ً, أما وجههم الثاني , فهو الإتحاد الأوروبي الذي يملك أسوأ العلاقات مع تركيا , ولا يمكن المراهنة على دور حقيقي له , خصوصا ً بما يصب في صالح تركيا , ويبقى الوجه الفرنسي الخاص الذي يمثلها كدولة إستعمار قديم – حديث , وتبحث عن مقعدها وحصتها على طاولة التفاوض الكبير, في حين لا تستطيع ألمانيا بمفردها الإنحياز نحو المصالح التركية على حساب المصالح الألمانية مع الدولة الروسية, ومع ذلك خرج أردوغان ليعلن عن القمة الرباعية الروسية , الفرنسية , الألمانية , التركية في الخامس من اّذار القادم – بطلبٍ فرنسي ألماني. أما روسيا , فقد عبرت عشرات المرات عن موقفها الثابت في دعم الدولة السورية وفي حربها على الإرهاب , ولا زالت تلقي اللوم على أردوغان لعدم إلتزامه بتعهداته حيال إدلب , ناهيك عن الإسلوب الذي اتبعه بوتين حيال استنزف مهلة شباط لإحراج أردوغان في الداخل التركي وفي ساحة المعركة , وسط تكبده الخسائر العسكرية , وعودة جثامين الجنود الأتراك بالتوابيت. لقد فعلها بوتين , وحوّل مهلة أردوغان من شباط إلى اّذار , إلى رزنامة مهرجٍ عثماني , يبحث عن أوهامه في البقاء في سوريا إلى الأبد , في الوقت الذي لم يتوقف أبطال الجيش العربي السوري عن التقدم وتطهير الأرض السورية من رجس جنود أردوغان وإرهابييه ومرتزقته... لن يجد أردوغان وسيلة تساعده على الخروج من ورطته في مواجهة روسيا أو سوريا أو كليهما ... وسط عجز وترهل الجيش التركي وخسائره العسكرية في الأرواح والعتاد في المواجهات مع الجيش العربي السوري في "النيرب" , وإنسحاب أرتاله العسكرية في "البارة" , ناهيك عما يحصل في الداخل التركي والمواقف الحزبية والشعبية الرافضة للتدخل التركي في العمق السوري , وجدوى الحرب على سوريا. أما عن التماهي والتوأمة التركية مع الكيان الصهيوني , فلا يمكن استبعاد إحتمال الدعم الإسرائيلي , الذي حاول غير مرة إشغال الجيش السوري لمنعه من التقدم نحو إدلب وغير مكان , وحماية المجاميع الإرهابية , عبر شن عدوان صاروخي تنفذه طائراته بصعوبة , بدأت تحتاج معه إلى مراوغاتٍ وخدعٍ جوية , وإلى التخفي وراء الطائرات المدنية . ومع البيان العسكري الذي أعلنته القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة السورية في 22/2/2020 , والذي أكدت فيه تعاملها مع أي اختراق للإجواء السورية على أنه "هدف عسكري معادٍ لن يُسمح له بالتحليق" فوق أجوائها , بالإضافة إلى إعلانها عن "ملاحقته وتدميره فور اختراقه الأجواء السورية" ... كان على أردوغان أن يفهم الرسالة , ويبتعد عن جنون التخطيط لإقحام طائراته الحربية بعملياتٍ في سوريا , وكان على العدو الإسرائيلي أن يحاول استطلاع مدى جهوزية وقدرة ونوعية السلاح المحتمل استخدامه سوريا ً , بالتوازي مع ما يتردد في الإعلام من إمكانية إستخدام منظومة الـ S300 التي تمتلكها سوريا .. فجاء العدوان الإسرائيلي الأخير ليحمل أهدافا ًمتعددة , ومن بينها طمأنة العدو التركي قبل أن يتلقى صفعة جديدة تطال هذه المرة سلاح الجو التركي أيضا ً.