2024-11-29 12:30 ص

مدخل لفهم الصراع الدائر في المنطقة وتفسير تناقضاته

2020-08-06
بقلم: إيهاب شوقي

لا يمكن الوصول لفهم الأحداث بمعزل عن السياقات، فبعزل السياق تبدو الحوادث غامضة ومنفصلة ومتناقضة ومفتقدة للقواعد التي يمكن القياس عليها، والأخطر من ذلك أن التفسيرات والاستنتاجات والاستخلاصات قد تخرج خاطئة وغير دقيقة وربما مناقضة للواقع.

 

والسياقات الموجودة دوليًا واقليميًا والمؤثرة على منطقتنا وقضايانا يمكن الاجتهاد في رصدها كما يلي:

 

1- سياق دولي يشهد تبادلًا في مراكز القوة يتجه تدريجيًا من الغرب الى الشرق وهو ما ينعكس تدريجيًا أيضًا على متانة التحالفات التقليدية بمستوياتها المختلفة دوليًا واقليميًا، وكذلك على المستوى الداخلي للبلدان وفقًا لتوازنات القوى السياسية القائمة على الارتباط بمستويات التحالفات المختلفة.

 

وللتوضيح، فهناك قوى داخل الدول ترتبط بقوى اقليمية لأسباب متفاوتة وهذا الارتباط غير مقطوع الصلة بقوى دولية كبرى سواء بتقاطعات أو بتبعية، وما يطرأ على تبدل التوازنات الكبرى، يؤثر على جميع مستويات التحالفات.

 

2- سياق اقليمي، أو بالأحرى سياقات، لتعدد الأقاليم، وهي تشهد بزوغ نزاعات جديدة واحياء لنزاعات سابقة، بسبب تحديثات السياق الدولي، فهناك نزاعات سواها الغرب لدرجة الحسم، تظهر مجددًا، وهناك نزاعات نشأت لتغيير أوضاع قائمة وللحيلولة دون انتقال مركز القوة شرقًا.

 

وهو ما نراه بوضوح في امريكا اللاتينية من تمدد روسي – صيني فيها وما نراه في افريقيا وفي بحر الصين الجنوبي وفي منطقتنا وإن كان بشكل أكثر خشونة وعنفًا ودموية.

 

3- سياق داخلي، حيث تتنازع القوى الاقليمية على زرع أنظمة تضمن نفوذًا لها برعاية ومظلة من القوى الكبرى التي تشكل القيادة لهذه المحاور.

 

4- سياق ايدلوجي، وهو تراجع كثيرا عن القرن الماضي من حيث الشكل، بينما يشكل رقمًا وازنًا في الصراعات من حيث الجوهر.

 

فلم تعد المعسكرات مبنية كالسابق على أسس ايدلوجية، كالشيوعية والرأسمالية، ولم تعد هناك محاور كبرى للاستعمار التقليدي وقوى التحرر الوطني، وذلك من حيث الشكل.

 

بينما من حيث الجوهر هناك صراع بين الهيمنة التي حلت محل الاستعمار التقليدي وبؤر لمقاومة الهيمنة وهي وريثة قوى التحرر الوطني.

ويأتي الصراع مع الصهاينة كاشفًا للجوهر الايدلوجي لأنه يشمل المعسكرات بعناوينها الأصلية والبديلة، فهو يشمل الاستعمار التقليدي المتحالف مع الهيمنة، وعلى الجانب الآخر يشمل محور المقاومة المتحالف مع كل قوى التحرر الوطني والمناهضين للهيمنة.

 

كما يلقي هذا الصراع الضوء على مفاهيم تقليدية شكلت أدبيات في القرن الماضي ولا زالت صالحة للاستخدام مثل أعوان الاستعمار والرجعية والطابور الخامس وشرطي المنطقة وغيرها من المسميات. لا شك أن تتبع هذه السياقات يساعد على فهم الكثير من الأمور والتبوء بمساراتها.

 

وباختصار شديد يمكن تتبع السياقات المشار اليها لفهم ما يحدث بالمنطقة ـ كما يلي:

 

أولًا: المستويات المختلفة تؤثر في بعضها البعض، فالتوازن الاقليمي يؤثر على الدولي والعكس وفقا لعوامل القوة والاقتصاد، بينما في السياق الايدلوجي فإن العبرة بمن يمتلك الارادة، حيث تتراجع القوى الاقليمية التابعة أو تتقدم وفقا لمحورها الدولي، بينما قوى المقاومة قد تغير من التوازنات بفضل الارادة، وهو ما ينعكس على المستوى الاقليمي والدولي.

 

وهو ما رأيناه من انهيار للامبراطورية البريطانية بعد تنامي قوى التحرر الوطني، وحاليا تسير امريكا بذات الاتجاه بعد تنامي قوى المقاومة.

وهو ما يفسر العداء الامريكي الشديد لمحور المقاومة لأنه يشكل خطرًا مباشرًا على مكانتها الدولية.

 

ثانيا: تتسم الأحداث بطبيعة الانتقال وتبدل المرتكز، فالانتقال الخشن يؤدي الى التصعيد وربما الحروب الاقليمية وربما العالمية، بينما الانتقالات الناعمة تصاحبها أحداث هادئة حتى لو كانت مفصلية.

 

وامريكا لا تريد التسليم بالتوازنات العملية الجديدة، وفي سبيل ذلك اعادت الحرب الباردة وتنتقل منها تدريجيا الى خطوات تصعيدية خطيرة ربما تنزلق لحروب عسكرية، وهو ما ينعكس على المستويات الاقليمية وكذلك الصراعات داخل الدول.

 

ثالثا: نقاط الارتكاز العازلة هي الوحيدة التي تمتلك هامش المناورة في لحظات الانتقال، حيث تسعى لتحسين شروط مركزها الجديد، مثل تركيا والتي اكتسبت أهمية للكتلة الغربية بسبب مجاورتها للاتحاد السوفيتي السابق، ثم تراجعت مكانتها بعد انهيار الاتحاد، وتكتسب اليوم مكانتها مجددا بطبيعة الحرب الباردة الجديدة ورفض امريكا الخشن للنزول من العرش الدولي مما يجعلها حريصة على نقاط الارتكاز التي تشكلت باتباع سياسة الاحتواء ونظرًا لأن الخطر الصيني يتفاقم بشكل أكبر من الروسي على مكانة امريكا، فإن الحضور الامريكي في شرق آسيا له الأولوية القصوى وربما تكتفي بوضع شرطي لحراسة مصالحها، ويبدو ان تركيا هي التي حلت محل شاه ايران السابق للقيام بهذا الدور.

 

وهنا يضاف بعد جديد لفهم الدور التركي، حيث يتجاوز مسألة الطموحات العثمانية والتي تتطلب استقلالا كامل في الارادة باعتباره مشروعا خاصا، بينما تقوم تركيا بدور وظيفي تأتي به الطموحات العثمانية كأداة او شكل، يخدم جوهر الدور المنوط بها، وهنا ايضا يأتي دور (القوى الاسلامية) المحسوبة على تركيا كأداة مساعدة لتركيا للقيام بدورها.

 

ومن ادوار الشرطي قطع التقارب مع الشرق او تحجيمه، ومواجهة النفوذ المعنوي لمحور المقاومة واحتوائه عسكريا أو معنويا ودينيا، وهو ما يفسر الخطوات الأخيرة للتظاهر برعاية تركيا للاسلام وللمضطهدين!

 

رابعًا: الراصد للمحاور يلمح على غير المعتاد وجود ثلاثة محاور، منها محوران تابعان لامريكا، وبينهما صراع، وهو ما يشكل لغزا لدى الكثيرين، فبينما هناك صراع قطري تركي تنضم له حثيثا  الكويت وربما سلطنة عمان، مع اماراتي سعودي تنضم له البحرين ومصر، نرى اطراف المحورين التابعين للمعسكر الامريكي، وهو ما يمكن تفسيره باحتواء محور المقاومة بأكثر من طريقة عبر النزاع في مناطق نفوذ المحور وخلق بيئة من عدم الاستقرار دون الاصطدام المباشر معه وعبر ضمان الاستقواء بالامريكي في الصراع لضمان عدم الانفلات والتوجه شرقا، فامريكا التي تجعل المعسكرين فزاعتين لبعضهما البعض تحول دون هذا الاتفلات.

سيبقى النزاع الايديولوجي والصراع مع الصهاينة له كلمة الفصل في الاقليم وما يستتبع ذلك من فصل في الصراع الدولي.