في آخر تصريح له دعا البطريرك الماروني الراعي الحكومة الى الاستقالة إذا لم تستطيع مساعدة لبنان في النهوض, هذا في الوقت الذي من المفترض ان يعمل كل لبناني على المساعدة ويحذو حذو الشباب والصبايا الذين امضوا النهار مع الليل وهم يقدمون المعونة والمساعدة للمحتاجين من الجرحى واللذين اصبحوا بلا مأوى واللذين قدموا الى بيروت من كل حدب وصوب متجاوزين كل الإرث الذي خلفه المستعمر العثماني والفرنسي عاكسين الوجه الحضاري والاخلاقي والانساني بالدرجة الاولى. ولكن كما عودنا هذا البطريرك في تصريحاته يأبى الا أن يخالف هذه الروح الانسانية الجامعة الداعية الى السلم الاهلي والنهوض بالبلد الذي اسمه لبنان. فمنذ مدة ليست بالبعيدة قام بمهاجمة حزب الله والمقاومة اللبنانية محملها مسؤولية تدهور الاوضاع الاقتصادية في لبنان ولم يجرؤ ان يقول ولو كلمة واحدة ضد الطغمة المالية والعائلات الاقطاعية التي تسببت في أكبر عملية تهريب لمليارات الدولارات من البنك المركزي اللبناني الذي ادى الى الانهيار المفاجيء للاوضاع الاقتصادية والاجتماعية وسعر صرف الليرة اللبنانية وإفقار غالبية الشعب اللبناني. لم نرى اي تصريح من هذا البطريرك يدين العقوبات التي فرضتها الادارة الامريكية المتوحشة سواء على لبنان او سوريا. إن تصريحاته تعكس ببساطة حقده الدفين على المقاومة اللبنانية.
والان يخرج علينا بهذا التصريح وهو بالضبط ما تسعى اليه الطغمة المالية الفاسدة وكل المتآمرين على لبنان كدولة ومؤسسات وشعب وحكومة وما تسعى اليه العديد من الدول الخارجية وعلى راسها الولايات المتحدة وموفدها الذي زار بيروت مؤخرا الرئيس ماكرون. ولن نستغرب على الاطلاق ان يرفع من سقف دعوته الى ان تصل الى العهد ربما للمجيء بالقاتل والعميل وسفاح مجزرة صبرا وشاتيلا والذي أخرج من السجن تحت غطاء العفو العام من قبل الطغمة المالية وأبيها الروحي الحريري. وبالتالي لا نرى في هكذا تصريح الا على انه بوق إضافي من أبواق الفتنة التي تسعى الى تمزيق اللحمة الاجتماعية والسياسية للمكونات اللبنانية. البطريرك يدعو الى الفراغ السياسي القاتل وهو العالم ربما اكثر من غيره بأن تأليف حكومة جديدة في لبنان اصعب بدرجات من الولادة في الايام العادية فما بالك في هذه الظروف العصيبة والمؤلمة والفاجعة التي يمر بها لبنان والتي تحتاج الى تضافر كل الجهود والامكانيات وليس للدعوة بترك السفينة ومن عليها للغرق. كان من المفترض الدعوة الى التماسك وعدم التهرب من المسؤولية كما فعل البعض بتقديم استقالاتهم.
من يدعو الى الاستقالة هذه الايام إنما يدعو الى الخراب...من يدعو الى الاستقالة ضمن هذه الظروف يدعو الى الذهاب الى المجهول الذي لن تحمد عقباه...من يدعو الى الاستقالة يدعو الى التنحي والتخلي عن المسؤولية السياسية والاخلاقية والانسانية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه ....من يدعو الى الاستقالات يدعو الى العدمية والضياع....من يدعو الى الاستقالات إنما يدعو الى التخلي عن السيادة والدعوة المبطنة للوصاية الدولية وعودة الإرث الاستعماري الفرنسي لتدنيس الارض اللبنانية الطاهرة ببساطير جنوده ومستشاريه....
لا يا سيادة البطريرك...لبنان سيبقى وسينهض...سينهض من تحت الركام ...ليس بالمعونات المشروطة التي من خلالها المقصود السيطرة على لبنان بشكل غير مباشر والتحكم بقراراته وخياراته ...ولا بالعودة الى الإرث الفرنسي الاستعماري بلباس جديد براق خادع ....سينهض بسواعد فقراؤه ومحروميه وعماله ومثقفيه والمقاومين للمستعمر القديم والحديث ومن كل مكوناته لبناء لبنان جديد ليس بمفهومك أو مفهوم الطغمة المالية والعائلات الاقطاعية التي توارثت مراكزها وسلطتها ومكاسبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية منذ العهد العثماني مرورا بالإحتلال الفرنسي.
* كاتب وباحث فلسطيني