2024-11-29 12:35 ص

اقالة جامعة الدول العربيةضرورة عربية!

2020-08-14
بقلم: د. وفيق ابراهيم
تتدخل كل الدول والقوى والمنظمات العالمية المتنوعة في أزمات العالم العربي، لأسباب اقتصادية وجيوسياسية الى درجة تصديع كياناته وإسقاط مؤسساته السياسية.

لكن جامعة الدول العربية الموجودة من سبعة عقود على الأقل وتضمّ كل الدول العربية من أكبرها مصر إلى أصغرها في الصومال وجيبوتي وجزر القمر.

كان يفترض بها أن تشكل قاسماً مشتركاً يعبر عن السياسات العربية الجامعة والاتفاقات الاقتصادية. هذه الجامعة لا تتدخّل في أي من مشكلات العرب، فلماذا استمرارها؟

واحدة من الأزمات الأخيرة في دنيا العرب هي الازمة اللبنانية القاتلة التي ادت الى انهيار بنيوي قاتل للاقتصاد وانفجار مرفأ بيروت وسقوط النظام والدولة.

هذه الجامعة التي ينتمي اليها لبنان لم تفعل اكثر من زيارة خفيفة رشيقة قام بها أمينها العام ابو الغيط، الى بيروت ملتقياً الرؤساء اللبنانيين وبعض أصدقائه في 14 آذار معرجاً على السفير السعودي، حتى أن وسائل الإعلام المستنفرة في لبنان لازدحام الاحداث فيه، لم تنتبه اليه، فلم تستصرحه ولم يفعل ما يجذب انتباههاـ حتى عكس بدقة الوضعية السطحية والباهتة لجامعته العربية التي أصبحت ذكرى لصخب تاريخي كان قليل القيمة سياسياً، لكنه عكس في ذلك الزمان وجود عرب يحاولون الخروج من القمقم الغربي المأسورين فيه ولم ينجحوا.

بدأ التحول نحو الانهيار الكامل مع استسلام الرئيس المصري أنور السادات لـ»إسرائيل» في 1979. فلم يتمكن العرب المنقسمون من فعل اي شيء لان معظمهم كان مؤيداً للاستسلام، فانهارت جامعة الدول العربية وظيفياً الى ان عاد الأميركيون بعد انهيار الاتحاد السوفياتي في 1989 تنفيذ خطتهم بشرق أوسط كبير يؤسس حلفاً بين عرب واسرائيليين في وجه إيران وحلفائها في اليمن والعراق، فسقطت الجامعة العربية نهائياً في الخط الأميركي عالمياً ضمن الادارة المباشرة للورثة السياسيين لأنور السادات في مصر والسعودية والإمارات وقطر.

هؤلاء يحكمون الجامعة منذ تسعينيات القرن الماضي ويضعونها في خدمة المشاريع الأميركية التي لا تزال تعمل على تدمير الدول العربية، هذا الكلام موثق ومعاصر، وسورية واحدة من النماذج التي تحالف ضد دولتها كل من الأميركيين والسعوديين وقطر وتركيا واميركا والاوروبيين بشكل مباشر مع عشرات التنظيمات الارهابية المنبثقة من القاعدة، حتى ان الجامعة العربية ادركت حدود طرد سورية من مقعدها فيها وهي البلد المؤسس الذي يجسد وزناً كبيراً في منطقة الشرق.

بذلك أطلق الخط المصري الخليجي النار على رأس جامعة الدول العربية فأردى كامل أهمياتها السطحية اصلاً وحوّلها أداة هرمة يوقظها الاميركي حين يريد منها موقفاً فولكلورياً لدعم العدوانية الاميركية ضد المقاومات والروس والصينيين.

للتوضيح، فإن الجامعة بالمحور الجديد المسيطر عليها وهو محور اميركا – تركيا – «اسرائيل»، تآمرت على العراق بتواطئها على احتلاله أميركياً وصمتها عن دور الارهاب فيه والطمع الاميركي والكردي بأراضيه وثرواته، وحاربت ضد الدولة السورية بدعمها ستين الى سبعين دولة ومنظمة إرهابية حاولت تدميرها، وتركت الاميركيين يديرون حروب تدمير وتفجير للصومال منذ أربعة عقود متواصلة وتعامت عن احداث السودان والجزائر وجيبوتي، وغابت كأهل الكهف عن الاعتداء الجيوبوليتيكي الخطير الذي شنته الحبشة على نهر النيل هبة مصر ببنائها سد النهضة الذي يؤكد الخبراء أنه لا يشكل حاجة استراتيجية لها، وكان بالإمكان تأمين تسوية عادلة لولا غياب عاملين: الرئيس المصري السيسي الغائب عن اهتمامات بلاده وجامعة الدول العربية المنصاعة للأميركيين.

لا يجب هنا نسيان وضع اليد العالمية على ليبيا التي يمزقها انهيار دولتها بضغط غربي وتجذر الارهاب والاحتلال التركي والتدخل الاوروبي – الروسي ومحاولات مصر إدخال قوات عسكرية اليها وفئات داخلية تقسمها الى فريقين على مساحات واسعة، مع انقسامات قبلية في كل النواحي.

هؤلاء يذبحون ليبيا الكيان السياسي والدولة والمجتمع محاولين السطو على ثرواتها من الغاز والنفط بالحرب او بالاقتسام.

أين جامعة الدول العربية من هذا المشهد؟ تؤيد التدخل المصري وتصمت صمت العاجزين والمقعدين، فيكتفي أمينها العام أبو الغيط بالهجوم على الأتراك وتأييد السيسي وينام مكتفياً بدوره الهزيل.

هذا ما يحصل أيضاً في لبنان الذي انهار اقتصادياً بشكل كامل وتعرّض مرفأه الاستراتيجي الكبير في بيروت لتفجير دمره بالكامل.

فلبنان اليوم في محنة تاريخية لا تكتفي بتهديد دولته، بل تدفع كيانه السياسي الى الانفجار وشعبه الى التشرد على بوابات السفارات للهجرة.

فيكتفي ابو الغيط بزيارة خاطفة لبيروت حيث التقى المسؤولين اللبنانيين بشكل عابر مطلقاً وعوداً عرقوبية بالدعم والمساعدة، والصبر الاستراتيجي الذي لم تتطرق إليه العلوم السياسية إلا في عهد السياسيين العرب الذين يقهرون بها شعوبهم.

ماذا يجري في جامعة الدول العربية؟

لأن مصر هي البلد الأقوى والأكثر سكاناً في العالم العربي، فتم الاتفاق على ان يكون أمينها العام مصرياً.

ولأن مصر ذهبت الى «اسرائيل» منذ اربعين عاماً واصبحت حليفاً لها تمكنت من تحويل الجامعة الى أداة ميتة بعيون مفتوحة، تكاد تعلن رسمياً التحالف مع «اسرائيل»، لكنها تكتفي حالياً لصعوبة المرحلة بتحالف التيار الأقوى الذي يدير سياسات الجامعة وهو مصر والسعودية والإمارات وقطر مع «اسرائيل» علنياً ومعاداتها لبلد واحد هو إيران بسبب عدائها لـ»إسرائيل»، وبالتالي حزب الله الذي يشكل البندقية المجاهدة في وجه هذا الكيان.

وبما ان هذه الجامعة اصبحت اداة اميركية اسرائيلية بتغطية مصرية خليجية، فلماذا يجب ان تستمر وهي العاجزة عن بناء اي سياسات إيجابية لجهتي الاقتصاد والسياسة.

ولماذا لا تذهب سورية والعراق نحو الجزائر والمقاومة في غزة والممثلين الحقيقيين للشعب الليبي لتأسيس جامعة جديدة تعمل على تأمين سياسات تجابه ما يتعرّض له العرب من مخاطر وتمنع إعادة تصديع الدول على نحو أميركي إسرائيلي، كما تبني تحالفاً اقتصادياً منتجاً.

بذلك تنتهي من هذه الجامعة المشتتة للجهود والمتآمرة على سورية والعراق وليبيا وكل شعوب العرب من المغرب عند المحيط الاطلسي حتى حدود العراق مع تركيا والسودان مع أفريقيا.

فهل هذا ممكن؟
(البناء اللبنانية)