بقلم: د. أحمد القطامين
عند كل اتفاقية توقع بين العدو الاسرائيلي وانظمة الحكم في بلدان العرب ينبري شيوخ “التدخل السريع” لتسويق تلك الاتفاقية ومقارنتها بصلح الحديبية. فمن حيث المبدأ تعتبر المقارنة باطلة وذلك لاختلاف السياقات التي تم فيها كل منهما، والاختلاف نابع من ان صلح الحديبية تم ضمن سياق نبوي موجه من السماء اما الاتفاق مع اسرائيل فقد تم ضمن سياق دنيوي موجه من ترامب وغيره من الرؤساء الامريكان.
ومع ان القادة المسلمون من الصحابة حول الرسول عارضوا اتفاقية صلح الحديبية “لاحظوا حيوية الموقف ، فحتى بحضرة الرسول الكريم هناك معارضة تعامل معها بكل تسامح، اما انتم فمع من تناقشتم بشأن اتفاقيات الصلح مع اسرائيل، وهل كان هناك صوت واحد معارض واذا كان موجودا ماذا فعلتم به)، الا ان الرسول اقنعهم بالشورى والحجة بصوابية الموقف وأمر باتمام الصلح ضمن رؤيته الاستراتيجية للامور، فقد كان صلح الحديبية في واقع الامر الخطوة الاستراتيجية الاولى التي مهدت لفتح مكة، وكلنا نعرف حيثيات هذا التاريخ المشرف.
اذن كيف – ايها المشايخ- تجيزون لانفسكم وانتم تتصدرون الصلوات وتؤمون المصلين ان تقارنوا صلح الحديبية باتفاقات اذعانية انتم وهم وكل العالم كبيرا اوصغيرا يعلم انها اتفاقيات لا مبرر لها، وانهاب النتيجة النهائية تعمل على تمكين اسرائيل من السيطرة على المنطقة. ولماذا تكثرون من الاستشهاد بالاية الكريمة “وان جنحوا للسلم فاجنح لها”؟ من هم الذين جنحوا للسلم في هذه الاتفاقيات؟ هم نفسهم يقولون جهارا وفي مؤتمراتهم الصحفية “انها اتفاقيات تنتجها القوة”، وان لا ثمن نهائيا على اسرائيل ان تدفعه مقابل هذه الاتفاقيات ، اي انها اذعان لمنطق القوة لا غير، هكذا قالها نتنياهو علنا وفي مؤتمر صحفي.
وهل من يقول اننا ، بغض النظر عن اية اتفاقيات، سنظم الضفة الغربية وغور الاردن الى دولتنا يعتبر جانحا للسلم؟ وهل من يقتل الاطفال في فلسطين ويعتدي يوميا على غزة وينشر في كل مكان الدعاية السياسية التي تعنبر العربي اقل من انسان، هل هذا جانح للسلم؟ وهل من يسيطر بالقوة على المسجد الاقصى يعتبر جانحا للسلم؟
اتقوا الله لعله يتوب عنكم، فالوقوف في صف العدو ليس اثما بحسب، بل خيانة ويعد واحدة من اكبر الكبائر واكثرها مدعاة للعقاب. قد نتفهم ان السياسيون بطبيعة عملهم يتصرفون بدبلوماسية عالية ويقولون ما لا يفعلون، اما رجال الدين وقادة الفكر الديني والدعاة وائمة المساجد فلا يجوز ان يكون اداة لتسويق ما يفعله السياسيون وتسخير الدين لخدمة اهدافهم.
يوما ما وعندما تقترب النهاية وتجدون انفسكم على التخوم الاخيرة من الحياة ستتذكرون نلك المواقف، وبالتأكيد لن تشعروا ابدا بالسكينة.
* اكاديمي اردني
qatamin8@hotmail.com