2024-11-28 09:44 م

دولة مدنية؟ انتظروا القيامة

2020-09-04
بقلم: نبيه البرجي
فرنسا ليست أميركا لتثير الهلع لدى باشوات  الطبقة السياسية. الأميركيون الموجودون حتى في خزانة الملابس يعرفون أين توجد ثروات كل هؤلاء، سواء في الصناديق الحديدية، أم في البنوك الأجنبية، أم في الدهاليز !

رئيس الوزراء السابق، والمحنك، الذي نصح المقرّبين، مطلع عام 2019، بترحيل ثرواتهم الى البعيد لأن البلاد على خطوات من الهاوية. الزعيم السياسي الذي دوّت ضحكته حين سأله ديبلوماسي أميركي ما اذا كان يعلم أن ثروة أحد وزرائه الذي دخل حافياً الى السلطة تكاد تفوق ثروة الليدي غاغا.

ايمانويل ماكرون لوّح بالعقوبات  على أركان المنظومة السياسية اذا لم يحدث التغيير في غضون ثلاثة أشهر. بعضهم سخر من كلام الرئيس الفرنسي، ولقد تناسوا أن الرجل عمل لسنوات طويلة في مؤسسة «روتشيلد»، العابرة للأمكنة وللأزمنة، وأنه يعرف الكثير عن القنوات السرية للأموال التي يتم نقلها من البنوك المحلية في سائر بلدان العالم الى أي مكان آخر بعيد عن الأنظار. 

المؤسسة اياها تتعامل مع العديد من أجهزة الاستخبارات الدولية في مجال تبادل الخدمات. بطبيعة الحال، الاستخبارات الفرنسية التي لا شك أنها تتعاون في مسائل حساسة مع ادارة «روتشيلد»، تعرف الكثير عن «أصحاب الطرابيش الحمراء» في لبنان. هؤلاء الذين تنطبق على الكثيرين منهم مواصفات علي بابا والأربعين حرامي.

باستطاعة ماكرون أن يفعل الكثير لفرض الحجر (أو الحجز) على مليارات الدولارات التي قام أركان الطبقة السياسية بتحويلها الى الخارج. تبعاً لمعلومات تتداولها أوساط ديبلوماسية أوروبية، فان الفرنسيين، والبريطانيين، والألمان،  يعرفون، مثل الأميركيين ، أين هي الأموال المنهوبة، وأين تم توظيفها أو ايداعها.

ما يقال مذهل حقاً. كثيرون أختبأوا وراء زوجاتهم، بالكعب الذهبي، وبالشاليهات والشقق الفاخرة في «الكوت دازور» أو في «البيفرلي هيلز». أحاديث لا تكاد تنتهي عن «الديناصورات التي تتقيأ الذهب»!

ماكرون، وان كان يعتبر أن لبنان أشبه ما يكون بالفينيق، خائف، فعلاً، على زواله لأن ذلك خسارة للعالم ولأوروبا، وليس فقط للشرق الأوسط. قال لأكثر من جهة ان فصل الدين عن الدولة، على غرار ما حدث في فرنسا عام 1905، يعني مراقصة المستحيل.

المؤسسة الدينية، في زمن التأجيج الطائفي، والتأجيج المذهبي، مؤثرة جداً، حتى أن الحكومات لم تتمكن من تهريب قانون الزواج المدني.

أحد المعلقين في صحيفة «لو باريزيان» لاحظ أن تحويل لبنان الى دولة مدنية لا بد أن ينتظر عودة السيد المسيح. الطائفية حفرت في العمق السوسيولوجي، وأيضاً في العمق السيكولوجي، وحتى في العمق التاريخي، للمجتمع اللبناني بكل مكوناته.

الى ذلك، كل دول المنطقة، وسواء الدول العربية أم الدول الأخرى، والتي تلعب على أرض لبنان، تستخدم المذهب، لا الدين، لأغراض قبلية، أو لأغراض جيوسياسية، أو لأغراض جيوستراتيجية. الايديولوجيا كعربة عمياء لا تعمل الا بالتاريخ المرصع بالدم.

أي حديث عن التغيير في البنية الفلسفية للدولة اضاعة للوقت. ما يقتضي فعله ازاحة الطبقة السياسية، وحيث الزعيم السياسي هو الحاكم بأمر الله. أي دولة في العالم؟ أي كائن أسطوري في الميتولوجيات القديمة بهذا العدد من الرؤوس؟

الأسبوع الحالي أسبوع الاختبار الكبير. ماكرون أبلغ كبار المسؤولين بأن الخبراء الفرنسيين جاهزون لمساعدة الحكومة في ملف الاصلاح المالي والاداري بالمرصاد  (تعقيم الدولة ضد كورونا الفساد) . هذا يستلزم تشكيل حكومة من الأدمغة ولا يكون الوزير فيها حصاناً خشبياً للمهراجا الأكبر.

اذا تمكن مصطفى أديب من تشكيل مثل هذه الحكومة كانت بوابة الخلاص، والا الغرق، وان قال ماكرون العائد في كانون الأول... اننا بالمرصاد!

العصا الفرنسية غليظة أيضاً...

(الديـار اللبنانية)