سهير فهد جرادات
لا يمكن قراءة المشهد الأردني وانشغال الشارع بالاحتجاجات على ارتفاع أسعار المحروقات في ظل أوضاع اقتصادية صعبة، وما رافقه من عصيان مدني في بعض محافظات المملكة، واعتقالات غير مبررة لنشطاء، وأعمال شغب نجم عنها أحداث دامية توشحت معها أربعة قرى أردنية (من الشمال الى الجنوب) بالسواد معلنة الحداد على أرواح أبنائها من منتسبي الأجهزة الأمنية الذين استشهدوا خلال ( 72 ساعة)، على أيدي (الذئاب النائمة) من حملة الفكر التكفيري (بحسب البيان الأمني)، بمعزل عن استضافة (مؤتمر بغداد الأمني) بنسختة الثانية، والذي حظي بحماية الجيش الأردني الباسل.
في الوقت الذي كان (الشارع والأجهزة الأمنية والحكومة والقصر) منشغلون بالأحداث الدامية التي شهدها الأردن، كانت الاستعدادات تسير على قدم وساق لاستضافة مؤتمر يُعنى ب(الأمن السياسي والغذائي والمائي والدوائي والطاقة)، وعلى رأس أولوياته: (مكافحة الإرهاب بعد صحوة كبيرة لتنظيم داعش في سوريا والعراق) !! ورافق عقد المؤتمر فقد الأردن لبريق الأسطوانة التي يتغنى بها: (بلد الأمن والأمان ) إثر الإعلان عن وجود خلايا إرهابية تزعزع الأمن الداخلي.
حمل الأردن دم الشهداء والاحتجاجات والاعتقالات والفوضى والخلايا الإرهابية (بعيدا عن توقيت الاحداث وتزامنها مع المؤتمر) ليكون الملف الأردني الرئيسي المطروح على جدول أعمال المؤتمر الذي ضم (الأقطاب المتنافرة) وهي السعودية وايران وتركيا، مما أظهر احتياج الأردن الى التدخل السريع والمساندة من جميع الدول المشاركة التي استشعرت خطر غياب الأمان على جنبات الطريق المؤدي من المطار حتى مكان انعقاد المؤتمر في منطقة البحر الميت، حيث كانت القيادة العامة للقوات المسلحة الأردنية أصدرت بيانا تعلن انتشار القوات والاليات العسكرية لتأمين الحماية للمؤتمر الذي كان (أغلب) التمثيل فيه على مستوى وزراء الخارجية او السفراء !!
حملت المظاهر الأمنية التي رافقت المؤتمر رسالة للمؤتمرين مفادها : الأردن يواجه خطر (الفكر التكفيري) الذي (فجأة) أصبح يهددنا ويهدد أمننا واستقرارنا ويستهدف ابناءنا واجهزتنا الأمنية، ويتطلب دعمه في (محاربة) التكفيريين، الذين ينتشرون في العراق وسوريا، وخاصة أن الأردن أعلن في اكثر من مناسبة وحتى على لسان ملكه شن حرب غير معلنة على النظام السوري تحت اسم (الحرب على المخدرات) التي مصدرها حدودها الشمالية الشرقية .
لا يمكننا الحديث عن سوريا دون الحديث عن انتشار القواعد الامريكية والبالغة (15) قاعدة المنتشرة في الأردن، وذلك بموجب اتفاقية التعاون الموقعة في آذار/مارس 2021 ( والمخالفة للدستور)، والتي بموجبها سمح بوجودهم لمدة (15) عاماً، والدخول والخروج دون جوازات سفر او تقديم طلب إقامة، ويحق لهم حيازة الأسلحة وحملها في الأراضي الأردنية أثناء تأديتها مهامّها الرسمية( دون توضيحها) .
منذ اليوم الأول لبدء الاجتجاجات في اقصى الجنوب الأردني، انتشرت (تسريبات) من قبل (أعوان الديوان)، بأن ( توجة القصر )هو بقاء الحكومة ( شو ما صار) و(سيناريو إقالتها) غير مطروح حتى أذار عام 2023، على الرغم من توافق بعض الأجهزة والشارع على ضرورة (ترويحة) الحكومة، وجاء التعديل الوزراي (تحدياً للشارع الأردني الغاضب) ليقول له صراحة ( انصطح ) لا أحد يسعى لإرضائك، ولا حاسبين حساب غضبك .. الى جانب ( إنفاذ كلمة الحكومة ) التي صدرت على لسان رئيسها الغاضب، قبل ان يغادر جلسة البرلمان : “الحكومة لا تمتلك ترف دعم المحروقات “، وتنفيذاً لتهديد أحد المسؤولين الذي أكد بانه (لو نزل الدم ما رح ينزل سعر المشتقات النفطية )، وتأكيدا لتصريح وزير الداخلية في المؤتمر الصحفي الذي قال (مش ما بدناش.. ما بنقدرش)!!.. وبذلك لن تخفض أسعار المحروقات إلا في وقتها المحدد عند تحديد التسعيرة نهاية شهر .
علينا الا ننسى أن مدينة معان التي انطلقت منها الاحتجاجات الأقرب جغرافيا الى السعودية، واستقرار الجنوب الأردني مهم للسعودية، كما هو مهم لإيران التي تعني لها الشيء الكثير لوجود (مزارات الصحابة) التي تلقى الأردن أكثر من مرة مطالبات إيرانية بفتح باب (السياحة الدينية الشيعية) لهم في جنوب الأردن حيث ضريح الصحابي جعفر بن أبي طالب الذي يعد من اهم رموز الشيعة .
علينا ان نأخذ بعين الاعتبار نتائج الانتخابات في الدولة المزعومة (إسرائيل)، ووصول ( نتنياهو) لرئاسة الحكومة الأكثر ( يمينية) وتطرفا، حيث تشكل خطرا على الأردن وتستهدف تقليص دوره ودور ملكه، بعد أن فقد الأردن الألق لتراجع دوره الإقليمي في السنوات الأخيرة حتى أصبح شبة معدوم، في ظل ما يسعى إليه الكيان الصهيوني تاجيج صراع (أردني – هاشمي).
كالمعتاد الحكومة الأردنية لا تعالج الازمات، بل تعتمد (سياسة النعامة) التي تتقن فن دفن رأسها في التراب وجسمها للعيان حتى تنتهي المشكلة.. ولا تجيد فن حل الازمات إنما تجيد فقط فن ترحيلها ..
كاتبة وصحافية أردنية
المصدر: رأي اليوم
قراءة في المشهد الأردني: شارع ملتهب..
2022-12-26