2025-04-12 11:54 م

العين على مصر

2025-04-09

بقلم: غازي العريضي
تتّجه العلاقات المصرية الإسرائيلية نحو مزيد من التصعيد. ترفض مصر العدوان الإسرائيلي على غزّة ودعوة إسرائيل لها لفتح حدودها ليخرج الفلسطينيون إلى أراضيها، في سياق خطّة التهجير القديمة (الجديدة) الذاهبة إلى التنفيذ بدعم أميركي واضح، خصوصاً بعد موقف الرئيس دونالد ترامب الذي أيّد الاجتياح الإسرائيلي وعمليات الإبادة التي ترتكبها قوات الاحتلال، واخترع الحلّ الغريب العجيب للمشكلة، "مصادرة غزّة" وبناء "ريفيرا الشرق الأوسط" في أرضها، وتوزيع الفلسطينيين (وتهجيرهم) بين مصر ودول أفريقية عدة.

ير جديدة، هي مشروع إسرائيلي قديم قدّمه وزراء عدة في حكومات متعاقبة، وخصوصاً في حكومات بنيامين نتنياهو، تحت عنوان "الدولة الفلسطينية في سيناء". مع بداية الحرب على غزّة، وفي ظل إدارة جو بايدن، أصرّ وزير الخارجية الأميركية آنذاك أنتوني بلينكن على إقناع مصر بفتح حدودها واستقبال مئات آلاف من الفلسطينيين، الذين تستوعبهم الأرض المصرية الواسعة، على حدّ قوله. وعندما رفض المصريون، قال لهم: "استقبلتم مئات آلاف من السودان، لماذا لا تستقبلون مثلهم من فلسطين؟". لم يتوقّف ضغطه، وحاول الإيحاء بمساعدات مالية، ورفضت مصر. لكنّ إسرائيل أصرّت على مشروعها، وتمسّكت أميركا بخطّتها، واندفعت أكثر مع الإدارة الحالية.
رفضت مصر مجدّداً. قامت مظاهرة في أسيوط دعماً لفلسطين ورفضاً لتهجير أهلها، وخرجت إسرائيل بموقف تطالب فيه مصر "بتفكيك" البنية العسكرية في سيناء، لأنها تمثّل انتهاكاً للملحق الأمني في "اتفاقية السلام"، واعتبرت "أن المشكلة لا تقتصر على دخول قوات عسكرية مصرية بما يتجاوز الحصص المتّفق عليها في الملحق، إنما تكمن أيضاً في تعزيز البنية العسكرية المصرية بشكل مستمرّ، وهي خطوة غير قابلة للتراجع عنها". وقد توجّهت إسرائيل إلى كلّ من مصر والولايات المتحدة بهذا الطلب. مصر رفضت هذا الأمر، وقالت إنها تعدّ لائحة بالخروق التي ترتكبها إسرائيل منذ أكتوبر/ تشرين الأول (2023)، التي تتناقض مع الملحق المذكور، وألغت دعوة السفير الإسرائيلي الجديد المعتمد في القاهرة لتقديم أوراق اعتماده أمام الرئيس عبد الفتاح السيسي، بسبب الغارات على غزّة.
تجدر الإشارة إلى أنه مع بداية ولاية الرئيس السيسي، وسقوط الرئيس السابق محمد مرسي، وقعت أحداث أمنية في سيناء، تصدّى لها الجيش المصري، وزاد وجوده هناك بغضّ نظر إسرائيلي، لأن إسرائيل كانت مستفيدةً من "القضاء على الإرهاب". اليوم، جاءت تبتزّ مصر وتطالبها بتفكيك البنى التحتية، لأنها رفضت تهجير الفلسطينيين وفتح المعابر أمامهم، ورفضت الممارسات الإسرائيلية. لكن مع إدارة ترامب، تغيّر الأداء، وإسرائيل تشعر بفائض من القوة. ومنذ فترة قريبة، وبعد تجدّد الحرب على غزّة وإعلان قوات الاحتلال تجزئة القطاع لتوسيع المنطقة الأمنية لتنفيذ مشروع التهجير (في مراحل)، وصلت رسائلُ إلى القاهرة تُطالبها باستقبال 800 ألف فلسطيني واستيعابهم في الداخل المصري، آخذين بعين الاعتبار أن دولاً أفريقية وافقت على استقبال العدد الباقي، وبالتالي تحلّ القضية الفلسطينية على القاعدة الإسرائيلية "أرض فلسطين لإسرائيل"؛ "اليوم غزّة وغداً الضفة"، وتتم تصفية القضية.رفضت مصر، فجاءتها رسائل "الترهيب والترغيب". في الترهيب: "المشروع سينفّذ"، "ليس لديكم قدرة على رفضه"، "800 ألف لا شيء قياساً إلى عدد سكّانكم ومساحة أرضكم"، و"الحرب ستستمرّ ولا خيار لكم". في الترغيب: "نعفيكم من الديون"، و"نؤمن لكم استثمارات جديدة كبيرة في مشروع رأس الحكمة الجديد" و"نضغط على إثيوبيا لتعديل مشروعها في سدّ النهضة"، "ونقدّم لكم مساعدات"... يعني إذا وافقتم على ما نقدّمه، ويقدّم بالتالي مرّة واحدة. المال يتبخّر، وتكون القضية الفلسطينية قد تبخّرت، ودفعت مصر أثماناً معنوية وسياسية وأمنية ومالية بالتأكيد، لأن المطلوب يُهدّد أمنها السياسي والاقتصادي والاجتماعي، و"إذا لم توافقوا فالويل والثبور وعظائم الأمور".
ترك مصر اليوم تواجه هذا التهديد وحدها يعني أن دور الأردن سيأتي، وستقوم إسرائيل الكُبرى وتُهدّد الجميع، ومخطئ من يعتقد من العرب أنه سيكون بمنأى عن النتائج الكارثية لمثل هذا المخطّط الجهنمي.
ماذا يفعل العرب؟... للأسف! ثمّة انهيار عربي أصدر كاتب هذه السطور كتاباً بشأنه منذ سنوات ("الانهيار العربي"، الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت، 2018). أمّا الأدهى والأخطر، فإن مسؤولين عرباً هم الذين نقلوا التهديدات، وطرحوا معادلة الترهيب والترغيب على المسؤولين المصريين. فلتبق العين على مصر.

عن العربي الجديد