بقلم:عبد الخالق فاروق
لم تتوقف محاولات التنمر على سيناء من جانب القوى الغربية عموماً والكيان الإسرائيلي خصوصاً، وفي كل مرحلة من مراحل الصراع العربي – الإسرائيلي، كانت الخطة أو المحاولات تتخذ أشكالاً مختلفة، فتتراجع أحياناً وتتقدم أحياناً أخرى. وهي في كل مرحلة لا تفقد أبداً بوصلتها بضرورة إدخال سيناء في تركيبة جيو- سياسية وديموغرافية جديدة تقارب بينها وحلم القوى المؤيدة للمشروع الصهيوني في فلسطين والمنطقة العربية في جعل سيناء أداة قطع من جهة، وأداة وصل من جهة أخرى.
فهي أداة قطع بين النفوذ الجيو سياسي لمصر في الدلتا والوادي وبقية بقاع الشام وفلسطين، وهي أداة وصل بين المطامع والخطط الإسرائيلية، والقيادات السياسية المصرية التي أتت بعد اتفاقية (السادات – بيجن ) عام 1979، وقد توافرت الشروط الموضوعية الأولى لهذا المخطط بعد توقيع الرئيس المصري الأسبق أنور السادات اتفاقيتَي كامب ديفيد في أيلول/ سبتمبر عام 1978، ومن بعدها ما سمّي " اتفاقية السلام المصرية – الإسرائيلية " في آذار/ مارس من عام 1979.
فمن جهة، لم ينقطع أبداً سيل "السياح" الإسرائيليين عن سيناء حتى بعد جلاء قوات الاحتلال الإسرائيلي عنها تماماً عام 1982، وكان من اللافت للنظر أن هذه الأفواج الإسرائيلية تتجاوز مئات الآلاف سنوياً.
كما جرى الدفع " بمستثمرين " مزدوجي الجنسية لشراء مساحات هائلة من الأراضي في سيناء، وخصوصاً تلك المتاخمة لمنطقة الحدود المشتركة، وكان من أبرزهم المستثمر المزدوج الجنسية جورج سياج في مطلع الثمانينيات، بكل ما صاحبه من غموض وشكوك، ثم خسائر مصرية بعشرات ملايين الدولارات في قضية تحكيم غريبة المنشأ، وحزينة في نتائجها.
ثم بدأ في السنوات الأخيرة زحف خليجي، ولا سيما إماراتي وبحريني، لشراء الأراضي في سيناء، وإقامة مشروعات لا تختلف كثيراً عن مشروع جورج سياج. وساعد في هذا صدور قرار جمهوري من الرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي في آذار/ مارس 2022، يفتح الباب واسعاً لمثل تلك المشروعات.
قرار جمهوري جديد للسيسي يفتح باب جهنم
في أعقاب زيارة الشيخ محمد بن زايد للرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي في آذار/ مارس 2022، في شرم الشيخ، والاجتماع الثلاثي الذي ضمّهما ورئيس وزراء "إسرائيل" نفتالي بينت، وافق الجنرال السيسي على إصدار القرار الجمهوري رقم ( 128) لسنة 2022، الذي استثنى فيه مدينة شرم الشيخ ودهب وقطاع خليج العقبة السياحي بمحافظة جنـوب سيناء، مـن الخضوع لجميع أحكام قانون التنمية المتكاملة في شبه جزيرة سيناء، الصادر بالمرسوم بقانون رقم 14 لسنة 2012، والذي كان يحظر تملك الأجانب أراضي في سيناء، وجاءت مواد القرار الجمهوري المنشور في الجريدة الرسمية على النحو الآتي:
المادة الأولى: تستثنى مدينتا شرم الشيخ ودهب وقطاع خليج العقبة السياحي بمحافظة جنـوب سيناء -طبقاً للوحات المساحية وكشوف الإحـداثيات المرافقـة لهـذا القـرار-مـن الخضوع لجميع أحكام قانون التنمية المتكاملة في شبه جزيرة سيناء المشار إليه، مـع الالتزام بالأحكام الواردة بهذا القرار.
المادة الثانية: يكون تملك الأراضي والعقارات المبنية في المناطق الخاضعة لأحكـام هـذا القرار للأشخاص الطبيعيين من حاملي الجنسية المصرية، وللأشخاص الاعتباريـة المصرية المملوك رأس مالها بالكامل لمصريين.
ومع عدم الإخلال بالحقوق المكتسبة، يكون التصرف من قبل جهـات الولايـة في الأراضي أو العقارات المبنية المملوكة للدولة ملكية خاصة بالمناطق المشار إليهـا للأفراد والأشخاص الاعتبارية الخاصة، بنظام حق الانتفاع، بحيث لا يزيد إجمالي مدة حق الانتفاع على 75 سنة، مع أحقية المتصرف إليه في تملك المنشآت التـي يقيمهـا على الأرض المنتفع بها طوال مدة الانتفاع، ويجوز التصرف بـالبيع فـي المنـشآت المبنية دون الأراضي المقامة عليها، وذلك كله وفقاً للعقود النموذجية المؤمنة المرافقة لهذا القرار)
وهكذا، فإن حق الانتفاع لمدة 75 سنة، هو في الحقيقة بمنزلة تملك فعلي لهذه الأرض، ثم استطردت المادة الثانية من القرار الجمهوري في محاولة للتمويه والالتفاف فنصت على الآتي:
(وفي جميع الأحوال لا يجوز تملك أو تخصيص الأراضي أو العقارات أو الوحدات بغرض الإقامة أو منح حق الانتفاع أو إجراء أي تصرفات بها -عقاريـة أو عينيـة -سـواء للمصريين أو الأجانب إلا بعد الحصول على موافقة وزارتَي الدفاع والداخلية والمخابرات العامة دون غيرها، ويقع باطلاً بطلاناً مطلقاً أي عقد يبرم على خـلاف ذلـك، ولكـل ذي شأن التمسك بالبطلان أو طلب الحكم به وعلى المحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها.
أما المادة الثالثة فنصت على أن: تستمر جهات الولاية في النظر في طلبات التملك أو الانتفاع لواضعي اليد قبـل تاريخ العمل بأحكام قانون التنمية المتكاملة في شبه جزيـرة سـيناء المـشار إليـه للأراضي التي قاموا بالبناء عليها أو استصلاحها واستزراعها، بعد موافقـة وزارتـَي الدفاع والداخلية والمخابرات العامة والجهاز الوطني لتنمية شبه جزيرة سيناء، وذلـك وفق أحكام قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 48 لسنة 2017 المشار إليه.
المادة الرابعة: يجب أن يتخذ مشروع الاستثمار أو التنمية لغير المـصريين-فـي المنـاطق الخاضعة لأحكام هذا القرار شكل شركة مساهمة مصرية، ولا ينفذ في مواجهة الكافة أي تغيير في أسماء المؤسسين أو نسب الشركاء أو حصصهم أو تعديل بعض مواد العقود أو النظام الأساسي أو شكل الـشركات أو طـرح الأوراق المالية والاكتتاب العام والخاص إلا بعد الحصول على موافقات وزارة الدفاع، ووزارة الداخلية والمخابرات العامة، والهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة، أو الهيئة العامـة للرقابة المالية بحسب الأحوال.
ويخضع تداول الأوراق المالية المقيدة بالبورصة للشركات المشار إليها بهذه المادة لأحكام قانون سوق رأس المال ولائحته التنفيذية المشار إليهما.
المادة الخامسة: يُحيل الجهاز الوطني لتنمية شبه جزيرة سيناء كافة الطلبات المتعلقة بالأراضـي والعقارات والمشروعات والشركات -في نطاق المناطق الخاضعة لأحكام هـذا القـرار-بحالتها إلى محافظة جنوب سيناء أو جهات الولاية أو الاختصاص أو الهيئـة العامـة للاستثمار والمناطق الحرة أو الهيئة العامة للرقابة المالية بحسب الأحوال، وتتولى جهات الولاية الإشراف ومتابعة الالتزام بالأحكام المنصوص عليها بهذا القرار بالتنسيق مع الجهات المعنية المشار إليها.
وتخضع لأحكام هذا القرار الشركات التي تقتـصر ممارسـتها لنـشاطها في شبه جزيرة سيناء على المناطق الخاضعة لأحكام هذا القرار، شريطة تعديل أنظمتهـا الأساسية، أو عقود تأسيسها وفقاً للقوانين المنظمة لذلك، بعد موافقة وزارتـَي الـدفاع والداخلية والمخابرات العامة دون غيرها.
وألغت المادة السادسة قرار رئيس الجمهورية السابق رقم 28 لسنة 2021 المشار إليه، كما ألغت كـل حكم يخالف أحكام هذا القرار. ونصت المادة السابعة على نشر هذا القرار ومذكرته الإيضاحية واللوحات المساحية وكشوف الإحـداثيات وأنماط العقود النموذجية المرافقة له في الجريدة الرسمية، ويعمل بـه اعتبـاراً مـن تاریخ 1/4/2022.
وهكذا... ومن بعدها، بدأ زحف شبه منظم من جانب "مستثمرين" وسماسرة أراض من الخليج، وخصوصاً من البحرين والإمارات لشراء أراضٍ ومساحات شاسعة في سيناء وخليج العقبة ومنطقة دهب.
وهكذا فتح الباب على مصراعيه ليس فقط للسمسار الإماراتي والخليجي في شراء أراض حيوية في سيناء، بل أيضاً في إمكانية إعادة بيعها لأطراف قد يكونون إسرائيليين حاملي جنسيات أوروبية أو أميركية، أو غيرها، ومن شأن تدخل السلطات المصرية بمنع مثل تلك الصفقات على أراضي سيناء وفقاً لنص المادتين الرابعة والخامسة من القرار الجمهوري أن تجد مصر نفسها محكومة بأحكام ومنازعات تحكيم دولية فوق طاقة مصر وقدرتها المالية، كما حدث من قبل في قضية جورج سياج الشهيرة التي كلفت الخزانة العامة المصرية تعويضاً بعشرات الملايين من الدولارات.
ومن ناحية أخرى، فإذا تأملنا المخطط الإسرائيلي للتعاون الإقليمي الذي عبّر عنه وزير الاستخبارات الإسرائيلي يسرائيل كاتس في مقابلة مع موقع "إيلاف" السعودي، المنشور في 13 كانون الأول/ديسمبر 2017، تناول فيه جملة من القضايا، أبرزها ربط "إسرائيل" بدول العالم العربي من خلال إعادة إحياء خط سكك حديد الحجاز التاريخي، ولكن ضمن مشروع إقليمي يصب في المصالح الاقتصادية لـ"إسرائيل". كما كرر الدعوة إلى دور سعودي أكبر في ما يسمى "عملية السلام" والارتياح الإسرائيلي لمثل هذا الدور، وإقامة ميناء بحري على جزيرة اصطناعية قبالة قطاع غزة.
وهكذا يبدو واضحاً أن سيناء ما زالت في بؤرة الاهتمام الخطر، ومع ارتباط هذه التحركات " الاستثمارية " الخليجية بمشروع "نيوم" السعودي فعلينا أن نضع ألف علامة استفهام حول المسار في المستقبل المنظور لسيناء. ويبدو أن الحكام العرب ما زالوا غافلين عن هذا المخطط، أو متورطين فيه.