بقلم: علاء حلبي
لم يكن «أبو محمد الجولاني» (اسمه محمد حسين الشرع) معروفاً في الأوساط «الجهادية» قبل عام 2012؛ إذ كان مجرد مقاتل قطع الحدود السورية نحو الأراضي العراقية، خلال غزو العراق، وانخرط في تجارب «جهادية» عديدة، قبل أن يبني علاقة متينة مع «أبو بكر البغدادي» (إبراهيم بن عواد)، قائد تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق». وبعدما سُجن في سجن بوكا الأميركي، خرج نحو سوريا مدعوماً من «البغدادي» لبناء هيكلية مشابهة للتنظيم هناك، حملت اسم «جبهة النصرة»، مطلقاً على نفسه اسم «الفاتح أبو محمد الجولاني».
وكان أول ظهور لـ«الجولاني» في تسجيلات صوتية، عندما وعد بتفجيرات وأعمال انتقامية من الحكومة السورية، لتبدأ بعد ذلك موجة من التفجيرات الانتحارية، والتي نفّذها انتحاريون سوريون وغير سوريين، أوفدهم «البغدادي»، في دمشق وحلب وحمص. وشكّل ذلك نقطة استقطاب لـ«الجهاديين» الذين بدأوا بتنمية هذه البذرة، بينما كان «البغدادي» يتابع إرسال المقاتلين وبعض العتاد والسلاح. وحتى ذلك الوقت، بقي «الجولاني» مجهولاً حتى بالنسبة إلى المقاتلين في صفوف تنظيمه، والذين عملوا على شكل خلايا منتشرة في مواقع عديدة، قامت بتنفيذ نحو 600 هجوم خلال أقل من عام واحد. على أن خلافاً وقع بين «الجولاني» و«البغدادي» بعد إعلان الأخير ضم «النصرة» إلى تنظيمه، الذي توسّع ليصبح «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (تحمل إعلامياً اسم داعش)، إذ رفض «الجولاني» تلك الخطوة، وأعلن البيعة لزعيم تنظيم «القاعدة»، الأمر الذي خلق له مساحة عمل أكبر، بعد إيفاد التنظيم قياديين معروفين مثل «أبو خالد السوري» لفضّ النزاع. وقد انحاز هؤلاء إلى «الجولاني» وقدّموا له الدعم، الذي آتى ثماره عبر الهجوم الكبير على إدلب عام 2015، ثم تحوّل الأخيرة في ما بعد إلى نقطة ارتكاز لـ«إمارة الجولاني».
وخلق توافد «الجهاديين» من أفغانستان إلى سوريا، قنوات تواصل مباشرة ومتينة مع قطر، التي تشكّل ملجأ لعدد كبير من «جهاديي القاعدة» السوريين على وجه التحديد، الأمر الذي تجلّى بوضوح عبر ظهور الرجل، وبشكل حصري، خلال لقاءات مع قناة «الجزيرة» (كان مقنّعاً حينها). وقد تحوّلت هذه القناة، سريعاً، إلى منبر ملائم للترويج له ولجماعته، التي بدأت تتخذ منحنى جديداً بعد تكثيف واشنطن عمليات اختيار «رؤوس القاعدة» في التنظيم (ما أطلق عليه مجموعة خراسان)، والذين كانوا يحملون أجندة «جهادية» عابرة للحدود. وبعد نصائح عديدة تلقّاها من محيطه، ومن أنصاره في قطر تحديداً، خرج «الجولاني» عام 2016 كاشفاً عن وجهه لأول مرة، معلناً فكّ ارتباط جماعته بتنظيم «القاعدة»، وتغيير اسم الجماعة إلى «جبهة فتح الشام»، والتي تطوّرت في ما بعد، بعد قضم وضم جماعات «جهادية» أخرى منافسة، إلى «هيئة تحرير الشام».
من جهة أخرى، مثّلت إدلب، ذات الحدود المفتوحة مع تركيا، مكاناً ملائماً لنمو الرجل وجماعته، سواء عبر تأمين ممرات لتوافد المقاتلين، أو لإجراء لقاءات مع مسؤولين استخباراتيين. وحدث ذلك وسط اتهامات متواصلة من قبل شخصيات «جهادية» للرجل بأنه قام بتسليم قائمة بأسماء «الجهاديين» المطلوبين للولايات المتحدة، وساعدها في عمليات تصفيتهم، ما يبرّر تجاهل استهدافه من قبل واشنطن، برغم وضع الأخيرة مكافأة بقيمة 10 ملايين دولار مقابل أي معلومات عن مكانه لتصفيته. وفي السياق نفسه، ساهمت المصالحات الماضية من خلال ما شهدته من نقل مسلحين من جنوب ووسط سوريا ومن حلب، إلى إدلب، في انضمام مقاتلين جدد إلى جماعة «الجولاني»، والتي تحوّلت إلى أداة بيد تركيا بعد دخول قوات تركية إلى سوريا، وبعد أن تمكّن الرجل من بناء هيكلية منعزلة مالياً عن أنقرة، لا تكلّفها أي مبالغ مالية، على عكس فصائل ريف حلب الشمالي. ووفّر ذلك لتركيا جماعة مقاتلة مضمونة الولاء، بلا أعباء مالية، فقامت بحمايته، وحماية إدلب منذ عام 2017 (خلال توقيع اتفاقية أستانا)، وساعدته في بناء هيكلية عسكرية قوية. وأخيراً، قامت أوكرانيا، بحسب مصادر تركية، بتقديم مساعدات عسكرية للجماعة، بينها مُسيّرات فرنسية (بعض المصادر تشير إلى تورط فرنسي مباشر)، لتثمر كل هذه الجهود الهجمات الأخيرة التي طاولت حلب ووصلت إلى ريف حماه. وفي وقت خرجت فيه تركيا لتستعرض «إنجازاتها»، فهي بدأت عملية تسويق لقضم عاصمة سوريا الاقتصادية، وجعلها ولاية تركية، وفق الحلم العثماني الذي لم يغادر خيال الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، ابن «جماعة الإخوان المسلمين»، الذين شكّلوا بذرة «الجهاد العالمي».
"الاخبار اللبنانية"
أبو محمد الجولاني... هدية قطر لـ«الخلافة العثمانية»
2024-12-03