في تطور قد يغير شكل التجارة العالمية لعقود قادمة، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن اتفاق تاريخي مع رئيس الوزراء الهندي" ناريندرا مودي" لإنشاء ممر تجاري عالمي يمتد من الهند مرورًا بالشرق الأوسط وإسرائيل، ثم إلى إيطاليا وصولًا إلى الولايات المتحدة. وصف ترامب المشروع بأنه “أعظم ممر تجاري في التاريخ”، مؤكدًا أن استثمارات ضخمة ستضخ فيه ليكون المحرك الرئيسي للاقتصاد العالمي.
لكن خلف هذا الإعلان المتفائل، تكمن تهديدات خطيرة لمصالح الدول العربية وأوروبا. هذا المشروع لا يستهدف الصين وحدها، بل يعيد توزيع موازين التجارة العالمية بطريقة قد تضر بشدة بدول اعتادت أن تكون مراكز رئيسية في حركة التجارة الدولية، على رأسها مصر، اليمن، ودول الاتحاد الأوروبي.
مشروع ترامب.. لعبة اقتصادية كبرى ضد الجميع
ترامب لم يخفِ نواياه في إعادة تشكيل النظام الاقتصادي العالمي ليكون أكثر توافقًا مع سياساته الحمائية، حيث أكد في خطابه أن الولايات المتحدة “لن تسمح باستغلالها اقتصاديًا بعد الآن”، في إشارة إلى أوروبا وكندا والمكسيك، التي وصفها في السابق بأنها “تستفيد من التجارة مع أمريكا دون تقديم تنازلات عادلة”.
هذا الممر ليس مجرد مشروع اقتصادي، بل هو سلاح جيوسياسي يهدف إلى:
- ضرب التجارة الصينية عبر تقليل الاعتماد على مبادرة الحزام والطريق.
- إضعاف قناة السويس كممر رئيسي بين آسيا وأوروبا، مما يضر بمصر بشدة.
- تعزيز مكانة إسرائيل التجارية على حساب الموانئ العربية في البحرين الأحمر المتوسط.
- خلق مسارات بديلة للسلع الأوروبية تمر عبر طرق أمريكية خاضعة لشروط واشنطن، مما يضعف استقلال القرار الاقتصادي الأوروبي.
مصر واليمن على حافة خسائر كارثية
هذا المشروع يشكل تهديدًا مباشرًا لمصر، حيث سيوفر طريقًا تجاريًا يقلل الاعتماد على قناة السويس، مما قد يؤدي إلى خسائر بمليارات الدولارات سنويًا. يعتمد الاقتصاد المصري بشكل كبير على إيرادات القناة، وإذا ما تم تحويل حركة الشحن عبر الممر الجديد، فستجد القاهرة نفسها في أزمة اقتصادية غير مسبوقة.
أما اليمن، الذي يتمتع بموقع استراتيجي عند باب المندب، فإنه يُستبعد تمامًا من هذا المشروع، مما يعني تراجع دوره التجاري إلى الصفر. هذا يعزز من تهميش البلاد اقتصاديًا، ويمنعها من الاستفادة من أي استثمارات جديدة في التجارة البحرية، في وقت تحتاج فيه بشدة إلى مشاريع اقتصادية لخلق بيئة اقتصادية مشجعة استقرارها.
أوروبا في مرمى النيران الأمريكية
لكن الخطر لا يهدد الدول العربية فقط، بل أيضًا الاتحاد الأوروبي، الذي قد يجد نفسه مضطرًا للخضوع للسياسات الأمريكية الجديدة. ترامب لم يخفِ في الماضي استياءه من عدم التزام أوروبا بالمعايير التي يراها عادلة، وهدد مرارًا بفرض رسوم جمركية ضخمة على الصادرات الأوروبية. الآن، مع وجود ممر تجاري جديد، قد يطالب ترامب بإجبار الدول الأوروبية على استخدامه كبديل للمسارات التقليدية، ما يعني أنها ستدفع ثمنًا اقتصاديًا باهظاً، سواءً من خلال التكاليف الإضافية أو من خلال الاعتماد المتزايد على الممرات الخاضعة للنفوذ الأمريكي.
إذا استسلمت أوروبا لهذا المشروع، فسيؤدي ذلك إلى إضعاف استقلالها التجاري، ويجعلها أكثر ارتباطًا بالولايات المتحدة، بدلًا من تنويع شراكاتها مع الصين وروسيا. أما إذا رفضت، فقد تواجه حربًا تجارية أمريكية شرسة، تشمل فرض رسوم جمركية ضخمة على السيارات، الفولاذ، والمنتجات الصناعية الأخرى.
تحذير للدول العربية وأوروبا.. لا تقعوا في الفخ!
الممر الجديد يبدو وكأنه خيار اقتصادي جذاب، لكنه في الحقيقة يهدد سيادة واستقلال العديد من الدول. على الدول العربية أن تدرك أن هذا المشروع ليس لصالحها، بل يهدف إلى إعادة توزيع التجارة العالمية بطريقة تخدم المصالح الأمريكية والإسرائيلية على حساب الاقتصادات العربية التقليدية.
أما أوروبا، فإنها تواجه اختبارًا حقيقيًا: إما أن ترفض الانجرار خلف ترامب، وتعزز شراكاتها مع الصين والدول الأخرى، أو أن تستسلم لضغوط واشنطن، مما قد يجعلها أكثر تبعية للولايات المتحدة، ويفقدها القدرة على المنافسة العالمية.
ما البدائل الممكنة؟
- مصر يجب أن تتحرك سريعًا لتأمين مصالحها عبر إبرام اتفاقيات جديدة مع الصين والهند، وضمان دورها كمركز لوجستي رئيسي في المنطقة.
- الدول العربية يجب أن تعمل على تطوير موانئها وبنيتها التحتية، لمنع إسرائيل من أن تصبح البديل الوحيد لقناة السويس.
- الاتحاد الأوروبي عليه أن يبحث عن شراكات أوسع مع آسيا وأفريقيا، بدلًا من الاعتماد على المسارات التي يفرضها ترامب.
- يجب تعزيز الاستثمارات في مشاريع بديلة مثل “طريق التنمية” بين العراق وتركيا، ومبادرات تجارية أخرى تربط الدول العربية وأوروبا مباشرة دون الاعتماد على طرق خاضعة للنفوذ الأمريكي.
ترامب يعيد رسم قواعد اللعبة.. فهل تستسلم الدول المتضررة؟
ما يفعله ترامب اليوم هو إعادة توزيع النفوذ التجاري العالمي لصالح الولايات المتحدة وحلفائها الجدد. الدول العربية وأوروبا يجب أن تتحرك قبل فوات الأوان، وإلا ستجد نفسها خارج اللعبة الاقتصادية، تتفرج على استثمارات كانت من نصيبها وهي تنتقل إلى دول أخرى.
إن هذا الممر ليس مجرد مشروع اقتصادي جديد، بل هو خطة كبرى لإعادة تشكيل موازين التجارة العالمية. فإذا لم تتخذ الدول العربية وأوروبا مواقف حاسمة، فقد تجد نفسها خاضعة لسياسات أمريكية أكثر تشددًا، بينما يتم استبدال دورها التقليدي في الاقتصاد العالمي بلاعبين جدد.
السؤال الذي يجب أن يُطرح الآن: هل ستبقى الدول المتضررة متفرجة، أم أنها ستتحرك لحماية مصالحها قبل فوات الأوان؟
* (المصدر أونلاين)