2025-02-20 09:18 م

سوريا.. فوضى الحدود والقلق الأردني المتصاعد 

2025-02-15

وسط ترقب إقليمي ودولي لتطورات والتحولات الدراماتيكية التي تشهدها الشقيقة سوريا، تتسع دائرة التأثيرات الإقليمية، ليجد الأردن نفسه في مواجهة تحديات أمنية واقتصادية غير مسبوقة، فبينما تتحول سوريا إلى مسرح نفوذ جديد لتركيا والفصائل المتشددة، تراقب عمان المشهد بحذر، مدركة أن أي فوضى على حدودها الشمالية قد تؤدي إلى تداعيات خطيرة تهدد استقرارها الداخلي. القلق الأردني ينبع من عدة عوامل متشابكة، أبرزها تصاعد نفوذ الجماعات الإسلامية المتشددة التي تسيطر الآن على دمشق، وإعلان أحمد الشرع رئيساً للبلاد وسط حكومة تضم شخصيات متطرفة، خاصة مع وجود خلايا نائمة قد تستفيد من حالة الفوضى لتعزيز نشاطها في المنطقة، وهو سيناريو لا يمكن للأردن تجاهله. من الناحية الأمنية، يمثل الحدود الأردنية-السورية الممتدة لأكثر من 375 كيلومتراً تحدياً معقدا، فقد كانت عمان تعتمد سابقًا على التنسيق الأمني مع دمشق لضبط التهديدات الإرهابية وتهريب الأسلحة والمخدرات.  
لكن الآن، تتزايد مخاوف الأردن من تحول الحدود الشمالية إلى نقطة انطلاق للجماعات المسلحة، سواء لاستهداف الداخل الأردني أو لاستخدام أراضيه كنقطة عبور نحو دول الخليج. الملف الاقتصادي ليس أقل خطورة، فالأردن يعتمد على سوريا كمعبر رئيسي للتجارة مع لبنان وتركيا وأوروبا، والانهيار الحالي يزيد من الأعباء الاقتصادية على المملكة، التي تعاني أصلًا من أزمة مالية خانقة، كما أن احتمالية نزوح مئات الآلاف من السوريين الجدد إلى الأردن في حال عودة الاشتباك بين الفصائل وهو احتمال وارد جدا، ما يُهدد بإرهاق البنية التحتية المحدودة، وتفاقم الضغوط على الاقتصاد الأردني المحلي، في وقت يكافح فيه الأردن للتعامل مع اللاجئين السوريين الذين يشكلون بالفعل ما يقارب 10% من سكانه. المشهد الإقليمي يعقد الأمور أكثر، فبينما تعزز تركيا حضورها العسكري في شمال سوريا عبر اتفاقيات دفاعية مع النظام الجديد، وتسيطر فعليا على مناطق شاسعة داخل العمق السوري، فإن الأردن يجد نفسه أمام خيارين أحلاهما مر: إما القبول بالوضع الجديد والدخول في ترتيبات مع أنقرة لضمان استقرار الحدود، أو رفض هذا الواقع والاستعداد لسيناريو أمني أكثر تعقيدا في حال اندلاع مواجهات بين القوى المتنافسة داخل سوريا.  
الرهان على الموقف الدولي يبدو غير مضمون، فبينما تتخوف أوروبا من أن تتحول سوريا إلى منصة جديدة لتصدير الإرهاب، ما قد يؤدي إلى موجة لجوء جديدة، تراقب إسرائيل التطورات بقلق شديد، خشية أن تصبح الأراضي السورية ساحة لنشاطات تهدد أمنها، سواء من خلال الجماعات المدعومة تركيا أو عبر احتمال عودة النفوذ الإيراني بصيغة جديدة، عبر مد فلول النظام والجيش السابق بأسباب المقاومة لاسترداد نفوذها ورد "الكف” لتركيا. أما الولايات المتحدة، فلا تزال مواقفها غامضة، إذ تركز سياستها حاليًا على احتواء النفوذ التركي والحد من أي تهديد إرهابي قد ينبثق عن الفوضى السورية. أمام هذه المعطيات، يجد الأردن نفسه مضطرًا إلى إعادة رسم استراتيجيته في التعامل مع سوريا، فهل سيعمد إلى تعزيز التعاون الأمني مع تركيا لضمان استقرار الحدود؟ أم أنه سيجد نفسه أمام خيار أكثر خطورة يتمثل في تعزيز وجوده العسكري على الحدود لمنع أي اختراق أمني محتمل؟ في ظل هذا الواقع، يبقى السؤال الأهم: هل يستطيع الأردن حماية حدوده ومنع الفوضى السورية من الامتداد إلى أراضيه، أم أن التداعيات الحتمية للوضع الجديد ستفرض عليه واقعًا صعبًا لا مفر منه؟

المصدر: صوت عمان