كتب كفاح نصر
من يدرك مكاسب واشنطن من سقوط سورية يعلم تماماً أن الكلفة المادية للحرب لا تؤخذ بعين الحسبان لدى الأمريكيين مهما كانت قيمة الحرب المادية, وبالتالي الحديث عن أن سلسلة الجبال الساحلية وجبال لبنان, ستسهل على السوريين إصطياد الصواريخ كونها ستغير مسارها بشكل إلزامي, مبالغ به وبل أن خبراء تحدثوا عن أن سورية بإمكانها إسقاط ما نسبته 50% من الصواريخ المجنحة, وطبعا السبب هو السلاسل الجبلية التي سترفع الصواريخ عن الأرض بشكل إلزامي لمسافات تسهل صيدها, ولكن هذا سيدفع واشنطن لإطلاق مئات الصواريخ لتحقيق خرق للدفاعات الجوية السورية, ليصار لاحقاً الى تمكن الطيران الأمريكي من القيام بطلعات جوية على إرتفاعات عالية, خوفاً من شبكة الصواريخ المحمولة على الكتف, هنا يمكن القول أن فرضية عدم قدرة واشنطن على بدء الحرب كضربة عسكرية لمواقع معينة بالتحديد, من الناحية العسكرية أمر مستبعد تماماً لأن واشنطن مستعدة لإفراغ جعبتها من صواريخ التوماهوك مقابل إسقاط سورية, ولهذا يبقى السؤال: لماذا أوباما تراجع عن التهديد عبر إحالة ملف الحرب الى الكونغرس الأمريكي..؟
المخاطر العسكرية:-
الرد العسكري السوري لن يقتصر على الدفاعات الجوية, بل سيتخطاه الى ضرب القوات الأمريكية كورقة سورية, وبالتالي فإن واشنطن التي تقاتل سورية منذ شهور طويلة بالمرتزقة ودون أن تضحي بأي جندي أمريكي, تأخذ بعين الإعتبار الحرب النفسية, فجل التهديدات التي أطلقت ضد سورية خلال الأزمة كانت عبارة عن إعلام حربي لتقوية معنويات المعارضة المسلحة وتنظيم القاعدة, وحين تبدأ الحرب فإن أي إنجاز سوري مهما كان صغير سيغير موازين الإعلام الحربي, وبحسب الخبراء فإن لسورية إمكانية مؤكدة من إصابة بوارج أمريكية في عرض البحر أو إغراق بعضها, ويكفي إصابة بارجة حربية أمريكية فقط لتغير خريطة الإعلام الحربي على مستوى الوطن العربي, ولكن ماذا لو قامت سورية بإغراق بارجة أمريكية أو سفن حربية من السفن التي ترافق حاملات الطائرات, والتي بحسب الخبراء يمكن لسورية بكل سهولة إغراقها أو إغراق أكثر من سفينة حربية أمريكية عبر منظومة (Club K Container Missile System) وعبر صواريخ الياخونت التي دخلت سورية مطلع الأزمة, وبالتالي ستكون واشنطن بوجه عاصفة عربية من ردود الأفعال من جهة, وعاصفة داخلية ستفجر الداخل الأمريكي, وبالتالي عسكرياً واشنطن لا تقيم وزنا للدفاعات الجوية السورية بشكل خاص, ولكنها تقيم وزناً للدفاعات البحرية السورية المرعبة تماماً, فضلاً عن أن سورية نصبت منظومة دفاعها الجوي الأساسية لمواجهة عدوان صهيوني, ولهذا سيصبح دخول الإحتلال الصهيوني الى الحرب خيار إستراتيجي سوري, وسيلزم الأمريكي بتقصير عمر الحرب الى أدنى مستوى, حيث أن عمر الحرب الإفتراضية في حال وقعت لن يتجاوز 100 يوم في أسوء الحالات, علماً بأن الدفاعات الجوية السورية مجهولة تماماً للصديق والعدو, وبل يعتقد خبراء غربيون بأن الدفاع الجوي السوري متحرك من ضمن تحصينات يستحيل ضربها, ولهذا سيكون على واشنطن إستهلاك كم هائل من الصواريخ في إستهداف رادارات متحركة, وبل آلاف الرادات المتحركة التي جهزت لمواجهة إحتمال ضربات صهيونية بأسلحة مضادة للرادارات, ولهذا السبب خيار جر الكيان الصهيوني الى الحرب سيكون العامل الثاني في تدمير منظومة الإعلام الحربي المعادي, وهذا الأمر ليس تحليلاً بل نتيجة حتمية لمستها واشنطن أبان العدوان على لبنان عام2006, ومثل هذا الأمر من شأنه تدمير المشروع الأمريكي للتقسيم المذهبي كما حدث في العام 2006 وأدى لخسارة واشنطن العراق لتتركه لاحقاً كحليف لسورية وإيران رغماً عنها, وهذا الأمر قد يتكرر في أفغانستان في حال ضرب سورية, وهو الورقة الأهم التي تقاتل لأجلها واشنطن في ظل إنحسار نفوذها في آسيا.
نتائج الضربة:-
الهدف الرئيسي للضربة العسكرية تأمين غطاء لتقدم جبهة النصرة, وهذا الأمر من جهة معلن, ومن جهة ثانية طريق إلزامي لأن إقتراب القوات الأمريكية من سورية أصبح خارج الخطط الحربية الأمريكية منذ حرب العراق وأفغانستان, ولأن دخول القوات الأمريكية براً سيقلب لعبتها الإستخباراتية ضدها بحيث لن تتمكن من إدارة الجماعات الإرهابية التي تديرها عبر وسطاء عرب, ومن هنا يأتي السؤال هل ضربة عسكرية أمريكية ستغير موازين القوى على الأرض..؟
من المؤكد تماماً أن أي ضربة عسكرية أمريكية لن تغير موازين القوى على الأرض لأن دمشق حتى الساعه تقاتل ضد الجماعات التكفيرية الصهيوهابية بأسلحة لا تصلح للحروب الخارجية, وبالتالي يكفي أن تستخدم جزء من مخزونها الإستراتيجي لتقوم بفعل معاكس لما يتمناه الأمريكي, حيث حين تقوم دمشق بإخراج صواريخها من الأرض لن تكون الضربات ضد الجماعات التكفيرية فحسب بل ستطال معسكرات تدريبها في دول الجوار, وأكثر من ذلك حرب المئة يوم لن تغير موازين القوى لأن دمشق حتى الساعه لم تستثمر كل طاقتها البشرية, علماً بأن التدخل الخاري سيشرع لسورية الإستعانة بحلفائها بشرياً ومثل هذا الخيار سيغير موازين القوى لصالح دمشق بشكل ساحق على الأرض, ولهذا تدرك تماماً واشنطن أن بيد سورية الكثير من الأوراق التي تركت لمثل هذه اللحظة.
الأمن الخليجي:-
ماورد في المقال حتى الساعه هو سيناريو أن تدخل سورية الحرب ضد واشنطن منفردة بدون أي حلفائها من حزب الله والعراق وإيران والمقاومة الفلسطينية, ولكن رغم ذلك فإن الأمن الخليجي مهدد تماماً في حال قامت واشنطن بضربة عسكرية لسورية, وبحسب مصادر خاصة فإن دول الخليج وبشكل خاص قطر والسعودية والإمارات, يؤيدون الحرب علناً لأنهم ببغاوات لواشنطن, ولكن تحت الطاولة يتوسلون الولايات المتحدة بأن لا تشن الحرب على سورية خوفاً من وجود خلايا سرية إستخباراتية في دول الخليج تركت نائمة طوال الأزمة السورية لانها ستتحرك فقط في حال تعرض إيران أو سورية لعدوان أمريكي, ومثل هذا الخيار يقلق المسؤولين الخليجيين الذين يتحدثون علناً عن مثل هذا الأمر رغم عدم وجود أي أدلة تؤكد وجود مثل هذه الخلايا, وبالتالي أمن إمدادات النفط مهدد ليس بسبب دخول إيران الحرب أو إغلاق مضيق هرمز, بل يمكن أن يقفز سعر النفط الى أرقام خيالية بسبب عدة تفجيرات صغيرة لأنابيب النفط والغاز, والأمريكي الذي يطمئن حلفائه الخليجيين الى عدم القلق يأخذ مثل هذه التهديدات على محمل الجد.
حلفاء سورية:-
من المؤكد تماماً بأن إيران وحزب الله والعراق وروسيا والصين يستحيل أن يسمحوا بسقوط سورية, مهما كانت الكلفة لأن الحرب حرب وجود, وبالتالي توسع الحرب الى حلفاء سورية سيكون فرصة سانحة وبشكل خاص لإيران للتخلص من التهديدات الأمريكية, وسيصبح على روسيا لزاماً تغير موازين القوى والإفراج عن أسلحة فتاكة لكل من إيران وسورية, حيث يكفي أن يصل صاروخ ياخونت الى إيران حتى تتغير خريطة العالم الجغرافية والسياسية, وبهذه الصواريخ يصبح بمقدور إيران طرد القوات الأمريكية تماماً من الخليج الى المحيط الهندي في حال بقي هناك قوات بحرية يمكنها الإنسحاب, علماً بأن تعطيل القوى الجوية الأمريكية في قطر لن يتطلب أكثر من رشقتين من الصواريخ لإستهداف ثلاث مطارات فقط لا غير, وأياً كانت المضادات الجوية الأمريكية في قطر فإن خرقها في مساحة جغرافية لدولة مثل قطر أمر غير مستحيل, في حين دخول القوات الأمريكية في أفغانستان لخط الحرب سيعطي المقاومة الأفغانية وحركة طالبان مساحة لتوجيه ضربات موجعه لقوات إيساف, ويمكن القول أنه في حال دخول إيران الحرب فقط فإن الأمريكي عليه أن يقاتل على أربع جبهات على الأقل (أفغانستان-الخليج-سورية-تركيا) بالإضافة للجبهة الصهيونية وهذا سيؤدي الى فقدان السيطرة تماماً شمال إفريقيا, وهذا سيجعل واشنطن تقوم بسحب قواتها من آسيا وترك اليابان وكوريا الجنوبية تحت رحمة كوريا الديمقراطية التي تدرك أن محور المقاومة في الشرق الأوسط جزء من صمودها, وسقوط هذا المحور سيجعلها الهدف التالي للأمريكيين, حيث أن تطورات الحرب على سورية لن ترغم روسيا على دخول الحرب بل سترغم واشنطن الى أن تقاتل في حرب عالمية على عدد من الجبهات التي يمكن أن تتوسع بما لا يمكنها الصمود معه, وبما تعجز عن إدارته, وبما يحول روسيا والصين الى قطب منفرد للعالم حين تغرق واشنطن, فالحديث عن بدء الحرب أمر سهل جداً ولكن الحديث عن السيطرة على الحرب أمر شبه مستحيل نظرياً وعملياً, علماً بأن الصين التي ستكون بعيدة عن الحرب يمكنها تغير خريطة الإقتصاد العالمي, الذي سيكون مهدداً من الساعه الأولى للحرب, وأي خلل في الإقتصاد العالمي سيدفع ثمنه الإتحاد الآوروبي بشكل مباشر, وهذا الثمن سيدفع جراء تفجيرات صغيرة لخطوط نفط أو جراء دخول إيران الحرب, أو جراء التدخل الصيني الذي بعد سنوات طويلة تمكن من الخروج من العباءة الأمريكية لدرجة أصبح يرفض شراء سندات الخزينة الأمريكية ويرفض رفع قيمة اليوان.
الموازنة الأمريكية:-
تمكنت واشنطن سابقاً من إحتلال أفغانستان, ولاحقاً العراق, ثم الدخول في حرب إستنزاف على جبهتين, وهذا ما جعل واشنطن تقلص نفقاتها العسكرية, وموازنة الحرب الأمريكية غير جاهزة للدخول في حرب جديدة, علماً بأن روسيا وبحجة الدرع الصاروخي قامت بتطوير ترسانتها العسكرية, في حين واشنطن كل ما فعلته تطوير طائرة الجيل السادس التي سقطت في المحيط الهادي عند أول إختبار, ولهذا السبب موازنة الحرب الأمريكية بصدد الرد على قيام روسيا بتطوير ترسانتها العسكرية في أكثر من صعيد, حيث أن موسكو إنتهت من تطوير ثلاث نواقل إستراتيجية, وإنتهت من تطوير مقاتلات الجيل الخامس, ولم تكشف عن طائرات الجيل السادس أي سر سوى أنها بدأت تصنيعها, وإستبدلت منظومة الدفاع الجوي وبدأت بتطوير الدفاع الفضائي, فضلاً عن دخول غواصات بوري الى الخدمة مع صواريخ بولافا, وكذلك البدء بتصنيع جيل جديد من القاذفات الإستراتيجية بموزانة خيالية حيث تصل كلفة كل قاذفة الى عشر مليارات دولار, وبالتالي الموازنة العسكرية الأمريكية أصبحت أمام خيارات صعبة وخصوصاً أن موسكو لا تحدث أسلحتها وحيدة, حيث أن الصين بدأت بإنتاج طائرات الجيل الخامس والصواريخ العابرة للقارات التي تطلق من الغواصات, والنواقل , والقوى البحرية التي تم تعزيزها بحاملة طائرات, ولهذا من البديهي أن الأمريكي أمام تحديات صعبة في الموازنة العسكرية, تجعله أمام مفترق طرق خطير جداً, علماً بأن موازنته الحالية تعجز عن الدخول في حرب باردة, فهل سيضع نفسه تحت الرحمة الروسية والصينية ويغرق في الوصول على وقع التطور التقني العسكري الروسي الصيني.
ومما سبق يمكن القول أن إغراءات الحرب على سورية للأمريكي موجودة وكثيرة, ولكن موانع الحرب على سورية لا حدود لها, وستؤدي الى نتائج عسكية تماماً لما تتمناه الادارة الأمريكية, وبل هو إنتحار شبه كامل, وبالمختصر هل تجازف واشنطن بحرب لا يمكن حصر نيرانها مقابل أن تعرقل الطيران السوري القديم عن قصف العصابات المسلحة, وهي تدرك أنها حتى لو نجحت تماماً فإن الصواريخ السورية ستحل مكان الطيران..؟ فضلاً عن الطائرات بدون طيار التي لا تحتاج الى مطارات كبيرة, وبل غاراتها ستشرع دخول قوى جديدة الى القتال تنهي الأزمة السورية بوقت قياسي, أم أن ما يجري شحن إعلامي وأوراق تفاوض.
ومما سبق يمكن التأكد بأن أوباما عاجز تماماً عن إتخاذ قرار بالحرب ضد سورية, وكذلك عاجز تماماً عن إتخاذ قرار بوقف الحرب والسماح بإنتصار سورية, ومن المستحيل أن يدخل بحوار جاد قبل أن بدء العام القادم عام الإنسحاب الأمريكي من أفغانستان, ولهذا أصبح من المنطقي أن يكون عنوان الدخول في أي مفاوضات سياسية وقف إرسال السلاح والمسلحين من قبل أدوات واشنطن الى سورية, وغير ذلك مراهنة على (أوباما) لا يملك قرار, فخيارنا كان وسيبقى المقاومة التي أثبتت عبر عقود أنها الطريق الأسهل والأقل كلفة.
المصدر: "بانوراما الشرق الأوسط"