2025-05-18 04:49 م

الملفان اللبناني والسوري لم ينضجا كفاية كي يقدّما على طبق التسوية الإقليمية

2013-12-02
بيروت/كلير شكر 
لم يخفِ دايفيد هيل هروب بلاده من زواريب القياسات الحكومية التي كانت تريد شخصيات آذارية اقحامها فيها، خلال لقاء «على عجل» جمع «أبطالا» من «ثورة الأرز» بممثل «العم سام» في بيروت. تأكّد للحاضرين أنّ واشنطن ترفض الدخول في بازار الصيغ الحكومية المفتوح على مصراعيه. ما يعني أنّ الشائعات التي سرت في هشيم المفاوضات الشاقة، كانت أقرب إلى حقائق مثبتة: الإدارة الأميركية لا تمانع أبداً قيام حكومة وحدة وطنية على قاعدة 9-9-6.
قد يظنّ البعض أنّ الولايات المتحدة قررت الانقلاب على سياستها، طالما أنّ الزمن هو زمن «العجائب الإنفتاحية». فتحّولت الممانعة الأميركية لمشاركة «حزب الله» في دائرة القرار التنفيذي، إلى ترحيب غير مباشر، على وقع الغزل العابر للجبهات التاريخية.
لكن للعائدين من بلاد «العم سام» قراءة مختلفة تماماً. بنظر هؤلاء فإنّ أولوية البيت الأبيض لبنانياً، لا تزال الحفاظ على الاستقرار الأمني قبل أي شيء من خلال تعزيز قدرات الجيش اللبناني في مواجهة حالات «التفلّت الإرهابي»، ومن بعده تأتي المسألة الحكومية. لا يهتم الأميركيون كثيراً للتفاصيل ولا يغريهم الغوص في وحولها.
فالمطلوب هو قيام حكومة جديدة، تحيل حكومة نجيب ميقاتي إلى كتاب الأرشيف. ولهذا لا مانع من حكومة موسّعة توزّع «الثلثين المعطلين» بين جناحيْ الصراع.. كما لا اعتراض على تقلّبات وليد جنبلاط طالما أنّها «لقمة عيشه» لتأمين مصالحه ومصالح طائفته، وطالما أنّه لا يزال حاجة للفريقين الخصمين.
لماذا؟
لأنّ البيت الأبيض، وفق زواره، يريد إبعاد كأس الفراغ الدستوري، سواء على المستوى الحكومي أو الرئاسي. فهذا السيناريو سيفرض عليه التعامل مع «ما تبقى من مؤسسات» على قيد الحياة، أي «حكومة حزب الله» التي «يحرّم» عليه الكونغرس الاعتراف بها.
ولهذا تحصر الإدارة الأميركية اليوم تعاطيها بالرئاسة الأولى، لا سيما في ما يخصّ المساعدات العسكرية للجيش اللبناني. فالفراغ سيحول دون استمرار التعزيز العسكري، لا سيما وأنّ واشنطن غير مرتاحة للوضع الأمني في لبنان في ظلّ تعاظم دور المجموعات الإرهابية، وهي تراهن على الجيش تحديداً لمواجهة هذه المجموعات الإرهابية وضمان الاستقرار في لبنان، ولذلك فإن واشنطن تواصل دعم الجيش بمساعدات عسكرية ليتمكن من هذه المهمة، خصوصاً أن «البنتاغون» يدرك صعوبة هذه المهمة التي تشكّل تحدياً لجيوش عديدة في المنطقة، لا سيما أن الجيش اللبناني باتت لديه خبرة في مواجهة مثل هذه الحالات في مخيم نهر البارد مع حركة «فتح الإسلام»، ثم في عبرا مع حالة أحمد الأسير.
وهكذا يصرّ زوار الإدارة الأميركية على أنّ الأخيرة لم تتأثر برياح الاتفاق النووي ولم تبدّل في سياساتها، لا لبنانياً ولا سورياً، ولأسباب كثيرة تتصل أولاً وأخيرأً بالحصار الذي يمارسه الكونغرس على سيّد البيت الأبيض وأعوانه، وتمرّ بطبيعة الحال بضغط اللوبي الإسرائيلي ومصالح بلاده، كما بمصالح «مملكة النفط»، السعودية.
ولهذا حصرت واشنطن مفاوضاتها مع ممثّلي «ولاية الفقيه» بالملف التقني النووي، كي تخرج منه بتفاهم يريده أوباما على قياس طموحاته وشعاراته التي دخل البيت الأبيض على صهوتها، وتساعد الجمهورية الإسلامية على التخلّص بعض الشيء من الحصار الاقتصادي الذي صار يرهق كاهلها، في الداخل قبل الخارج.
ويكفي رصد مسار الأزمة السورية للتأكد من أنّ الولايات المتحدة لا تزال عند سياستها. إذ ما زالت، بحسب زوارها، تريد عقد «جنيف 2» بالتنسيق مع روسيا. وهي إن قبلت بمشاركة بشار الأسد على الطاولة التفاوضية، إلا أنها تريد الخروج من سويسرا.. من دونه. على عكس موسكو التي تعتبر أنّ المسألة تعود للشعب السوري الذي يقرر مصيره.
وهكذا يتبيّن، وفق الزوار، أن ظروف المفاوضات السورية لم تنضج بعد، مع أنّ كلّ الأطراف، بما فيها السعودية، صارت مقتنعة أنّ الحسم العسكري مستحيل، وأنّ التسوية شرّ لا بدّ منه، سواء على الطريقة اللبنانية أو العراقية، لكن طبختها لم تنضج بعد، ولا تزال غامضة المعالم. ولهذا ستشهد المرحلة المقبلة مزيداً من العراك العسكري من باب تحسين المواقع ليس أكثر.
وبالتالي لا تبدي واشنطن أي حماسة لجرّ طهران إلى مفاوضات ثنائية حول ملفيّ سوريا ولبنان لأنها غير مستعجلة على حلّهما، وليست معنية أصلاً بإنتاج صياغة سريعة وحاسمة قد تزعج الرياض. مع أنّ واشنطن تميل إلى تحسين علاقتها بإيران، وإن كانت نواياها مقيّدة بعوائق الداخل كما بمصالح حلفائها.
والدليل على ذلك واضح كالشمس، وفق الزوار، يقدمه الإنكليز على طبق من فضة. بتقدير هؤلاء فإنّ السياسة البريطانية عادة ما تعكس التوجهات الأميركية غير المرئية، لأنّ رئيس الوزراء البريطاني يكون أكثر تحرراً من الرئيس الأميركي المحاصر بتوجهات الكونغرس. فيقوم الإنكليز بما يعجز الأميركيون عن فعله أو البوح به.
هكذا فُهم، بنظر الزوار، عودة القائم بالأعمال البريطاني إلى الجمهورية الإسلامية، وهكذا أيضاً يُنظر إلى احتمال مشاركة مفاوض إيراني إلى طاولة «جنيف 2» السورية.. من دون أن يعني ذلك أن العلاقة بلغت شهر عسلها.
وهنا أيضاً، ثمة مسألة مهمة في الحسابات الأميركية، حيث لم تتخلّ واشنطن بعد عن حليفها «النفطي»، وإن كان «الذهب الأسود» يتجه مع الوقت إلى فقدان الكثير من قيمته الاستراتيجية. فالرياض الغاضبة من الاتفاق النووي تخبّىء خلافاً تاريخياً مع إيران، سابقا للجمهورية الاسلامية، بسبب الصراع على النفوذ في المنطقة.
ولهذا لم تهضم التفاهم النووي بعدما تأكّد لها أنّ واشنطن ألغت أي احتمال لضربة عسكرية قد توجهها لإيران من شأنها أن تغيّر موازين القوى في المنطقة. كما فشلت كل رهاناتها على تدخّل عسكري أميركي مباشر في سوريا يكون لمصلحة المعارضة، بعدما كان أمراؤها يبلغون بالحرف الواحد كل من زارهم من اللبنانيين أنّ «الإنقلاب السياسي في سوريا لم يعد بعيداً».
إلا أنّ «الاتفاق الكيميائي» أحبط العزيمة، وأصاب الأمراء السعوديين بخيبة أمل كبيرة، لا سيما وأنّ تركيا، التي كانت متحمّسة لرمال دمشق المتحركة، عادت وسوّت حساباتها فاستدارت نحو طهران مطالبة بوقف اطلاق النار، بعدما تيّقن لها أيضاً أنّ واشنطن تحسبها على الطريقة البراغماتية.
ومع ذلك، فإنّ «الفورة» السعودية مرشّحة لشيء من العقلانية، كما يرى زوار العاصمة الأميركية، بدليل بيان الترحيب المقتضب الصادر عن الرياض بالاتفاق النووي.. ولكن المشروط بنوايا التطبيق. وبتقدير هؤلاء فإنّ العلاقة الثنائية قد تستعيد بعضاً من نبضها على الرغم من اللغط الذي حصل إثر «مشروع الزيارة» للرئيس الإيراني حسن روحاني إلى الرياض لأداء مناسك العمرة.
وبحسب المعلومات، فإنّ الزيارة ألغيت بسبب إصرار طهران على وضع برنامج سياسي للرحلة، حيث أدارت الرياض أذنها الطرشاء للاقتراح الإيراني.. فتجمّدت الخطوة الانفتاحية.
في حين أنّ الرياض لا تزال، وفق الزوار، تجمّد الملف اللبناني، حيث يغيب الأمير بندر بن سلطان، المكلف متابعة الملف اللبناني، عن السمع.
وهكذا يُفهم أنّ الملفين اللبناني والسوري لم ينضجا كفاية كي يقدّما على طبق التسوية الإقليمية.
المصدر: "السفير" اللبناتنية