وتقول دوائر سياسية لـ (المنــار) أنه يمكن وضع النظام السعودي في هذا المربع، خاصة وأنه بات اليوم يتقدم الصفوف الأولى في الجهات الداعمة للارهاب والتخريب والاجرام، وتفوق نظام آل سعود منذ أكثر من عام على مشيخة قطر التي أصبحت محدودة التأثير على المجموعات الارهابية التي تمارس الوحشية والقتل داخل الاراضي السورية، لكن، هذا لا يعني أن الدوحة استبدلت موقفها وطريقة تعاطيها مع الازمة السورية، بل على العكس تماما فمشيخة قطر وتركيا تعملان سويا من أجل الابقاء على دورهما ونشاطهما في كل ما يتعلق بدعم الارهابيين داخل الاراضي السورية. والجهات التي برزت بصورة واضحة، وبدون تحفظات، وعلانية في مقدمة الجبهة متعددة الجنسيات لتدمير الدولة السورية هي الجهات الأكثر تعرضا للخسارة من بقاء النظام السوري، كما أن عملية اعادة تقييم المواقف واعادة توجيه المسارات، لا تنطبق على الدول الثلاث السعودية ومشيخة قطر وتركيا، فالسعودية ما زالت متمسكة برغبتها في رؤية سوريا بدون الرئيس بشار الأسد، وتضع تدمير الدولة السورية على رأس أهدافها ومصالحها، وهو ما يثير الكثيرين من المتابعين لطريقة التفكير السعودي، ازاء أزمات المنطقة وخاصة اتجاه ايران وسوريا.
وتضيف الدوائر أن هناك من يريط الموقف السعودي المتشدد بالعداء بين الاسرة الحاكمة في الرياض وبين ايران، والرغبة في اضعاف الاهتمام الايراني وتأثير طهران في المنطقة، وقطع الطريق على امكانية تشكل تحالفات قوية مستقبلا، قد تربط بين ايران وسوريا والعراق، كما تخشى السعودية أن تأتي "الوصفة" التي تسمح مستقبلا بحدوث تعاون على أسس المصالح المتبادلة بين القاهرة وطهران، ولهذا السبب يسعى النظام السعودي وعبر ما يمتلكه من مصادر تمويل مالي الى احباط أية محاولات كتلك مستقبلا.
وترى الدوائر أنه رغم ما تمت الاشارة اليه فيما يتعلق بعدم وجود رغبة في التغيير لدى السعودية اتجاه الأزمة السورية وعلى الرغم من التغييرات الميدانية التي نشاهدها يوميا في المشهد العسكري السوري، الا أن الرياض استجابت لبعض المطالب الأمريكية، الا أن السبب الحقيقي هو تحول السياسة السعودية الهادفة الى اسقاط النظام السوري الى سياسة بدون خطوط حمراء، وهذا يعني جميع الجهات المتطرفة حتى تلك التي من الممكن أن تهدد مصالح امريكا في المنطقة، ومدها بالمال والسلاح دون قيود ومحددات، يمكن أن تشكل مراقبا لما قد تقوم به تلك الاطراف.
ان سلسلة من التحذيرات الامريكية لم تدفع بندر بن سلطان الى تغيير هذا "البذخ" المتمثل بالدعم السعودي للعصابات الارهابية داخل سوريا بكل أشكالها وتسمياتها، لكن، الوضع الداخلي السعودي يحتاج الى علاقة طيبة مع الولايات المتحدة، والوضع الاقليمي وخاصة في منطقة الخليج يثير مخاوف السعودية، في ضوء ما يدور خلف الكواليس في غرف المفاوضات المغلقة بين ايران والغرب، هذه العوامل دفعت الرياض الى الاستجابة لبعض المطالب الامريكية أبرزها، فتح باب "الاجازة المبكرة" أو الانسحاب المبكر لبندر بن سلطان من دائرة العمل والتأثير في السعودية، وتسليم ادارة هذه السؤون الى أمراء أكثر التزاما وانضباطا مع التعليمات الامريكية، فالسعودية دولة خدمات للقوى التي ساهمت في تأسيسها. ورغم كل ذلك فان كل الاجراءات التي قامت بها السعودية لن تساهم في تراجع كبير نحو الخلف وتغيير واضح في السياسة السعودية اتجاه الازمة السورية.
وتقول الدوائر، أنه بالنسبة لكل من قطر وتركيا فان درجة الانضباط والانصياع للتعليمات الأمريكية تعتبر عالية المستوى، أي أن امريكا تساهم بصورة كبيرة في توجيه الدولتين في كل ما يتعلق بنشاطاتهما داخل سوريا، ودعم العصابات الارهابية هناك، وحتى القرار الاخير في فتح الجبهة الشمالية، باتجاه ريف الساحل السوري انطلاقا من الاراضي التركية، كانت واشنطن تقف خلفه، وقامت بجزء كبير من التغييرات التي سبقت انطلاق المجموعات الارهابية لمواجهة الجيش السوري في ريف اللاذقية الشمالي، وهذا يعني أيضا أن التقدم أو التراجع أو السكون مرتبطا بصورة كبيرة بـ "المدرب الامريكي"ولا أحد ينكر أن النظامين التركي والقطري يسيران منذ أكثر من عام على حبل دقيق، فبالنسبة لقطر وتركيا شكل سقوط جماعة الاخوان في مصر ضربة قوية لهما وللسياسة الامريكية في المنطقة، لذلك يمكن الحديث عن ارتباط كامل في تقدير الموقف والتراجع أو الاستمرار في التورط بالازمة السورية، وفق الرياح التي تهب من واشنطن، وحتى الدول الاوروبية وبنسب متفاوتة بدأت تتراجع عن التورط الذي أقحمت نفسها فيه منذ بداية الازمة السورية، والعديد من الدول الاوروبية ساهمت في تحويل شحنات من الاسلحة من دول الخليج ودول شرق أوسطية الى العصابات الارهابية، وهو يشكل العلامة الفارقة فيما يحدث وسيحدث بالنسبة للازمة السورية ، وهو الذي جعل تلك الدول تدخل الى داخل دائرة اعادة التفكير والتقييم وتقدير الموقف، وترى الدوائر أن بريطانيا ومنذ التراجع المخجل من التهديدات بتوجيه ضربة عسكرية الى القيادة السورية، أصبح رئيس وزرائها أكثر حذرا في تعاطيه مع الازمة السورية، وتبقى فرنسا حتى الان تحاول الاستفادة من الرغبة الكبيرة لدى السعودية ودول خليجية أخرى، في تدمير الدولة السورية ، من خلال اطلاق تصريحات نارية ومساندة مواقف السعودية فيما يتعلق بضرورة تسليح المجموعات الارهابية، مقابل مشاريع مدنية وعسكرية في دول الخليج، كما أن فرنسا ليست الوحيدة، فالعديد من الدول الاوروبية وأمريكا وحتى اسرائيل استفادت بشكل متفاوت من الازمة السورية، وحققت مكاسب ونجاحات مالية وعسكرية في مجالات مختلفة من خلال التفاهمات والاتفاقيات التي أبرمت في الخفاء وبقيت طيّ الكتمان بينها وبين الدول الخليجية المختلفة، وعلى رأسها السعودية.