القدس/المنــار/ أقوال رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، التي صرح بها خلال حوار مع الصحفي "جيفري جولدبيرج" حول مناقشة الحكومة الاسرائيلية التي يتراسها لاقتراحات تنفيذ انسحابات من الضفة الغربية ، وبشكل خاص المناطق التي تشهد اكتظاظا سكانيا فلسطينيا. عاد نتنياهو في اللقاء نفسه للتأكيد على أن هذا الخيار لا يلقى دعما وتأييدا من جانب غالبية الاسرائيليين وهو من بينهم ـ حسب اقواله ـ خوفا من العودة الى الخطأ الذي وقع في عملية فك الارتباط عن قطاع غزة في العام 2005 .
وذكرت دوائر سياسية مراقبة للحراك السياسي في اسرائيل لـ (المنــار) ترى أن نتنياهو لن يكون رئيس الوزراء الاسرائيلي الذي يبادر باندفاع من تلقاء نفسه لخوض مغامرة تنفيذ انسحابات احادية الجانب من المناطق الفلسطينية والعمل على اخلاء مستوطنات اسرائيلية، فنتنياهو لا يمتلك الثقل التاريخي والوزن السياسي والدعم الشعبي وحتى الداخلي في حزبه لتنفيذ مثل تلك الانسحابات، وهو لا يخوض المغامرات التي لا يضمن أن يصل في نهايتها الى طريق الفوز والانتصار وتحقيق ما يرغب به. وتضيف الدوائر السياسية الاسرائيلية أن نتنياهو لن يقدم على مثل تلك المغامرة ما دام لا يشعر بأن هناك ما يدفعه الى القيام بذلك، وتوضح الدوائر هنا أن نتنياهو لم يكن يوما شخصا مبادرا أو صاحب استراتيجية واضحة وانما هو ببساطة شخص يسير بفعل الضغوط ويتقدم بناء على المناخ العام ، وهذا يعني أنه ليس الشخص الذي يمكن أن ينفذ عملية انسحاب احادي الجانب من الضفة الغربية ليرسم الحدود الأمنية مع الفلسطينيين أو لتسهيل مهمة ادارة الصراع، بل هو يفضل تكريس الوضع القائم خوفا من الوقوع بالاخطاء في حال حاول التقدم الى الامام انطلاقا من ادراكه لحقيقة غياب عوامل النجاح لمغامرات قد يقوم بها، وهو ما أكده رئيس الوزراء الاسرائيلي خلال المقابلة ، حيث سارع الى التأكيد على رفضه لأي عمليات انسحاب احادية الجانب تتضمن اخلاء للمستوطنات. ومن أجل توضيح نواياه أوعز نتنياهو لمستشاريه بالتأكيد للاعلام في اسرائيل أنه يرفض أي انسحابات احادية الجانب من المناطق الفلسطينية خوفا من ردود فعل غاضبة داخل اليمين الذي يربط بين الانسحابات احادية الجانب وبين ما يصفونه بـ "اقتلاع" المستوطنين من غوش قطيف.
لذلك نتنياهو ـ حسب الدوائر نفسها ـ لم يأتِ بجديد عندما تحدث عن أفكار يتم تدارسها داخل الحكومة من أجل تنفيذ انسحابات احادية الجانب من مناطق فلسطينية، فمثل هذه الافكار تم تدارسها في أكثر من اطار حكومي اسرائيلي أمني وسياسي وايضا تم طرح افكار مشابهة من جانب الشركاء في الائتلاف من اليمين ومن الوسط، عشية انطلاق المفاوضات مع الفلسطينيين وخلال الرحلة القصيرة للمفاوضات وأيضا منذ الاعلان عن توقفها. والحقيقة أن هناك العديد من التعريفات لـ "الانسحابات والخطوات احادية الجانب" داخل أطراف الائتلاف الحكومي في اسرائيل، وكما هي مختلفة في المضمون فهي أيضا مختلفة في الاهداف.
ومن بين الافكار الرائجة داخل بعض الجهات في اليمين الاسرائيلي وفي اوساط قيادات عسكرية اسرائيلية سابقة فيما يخص الانسحابات احادية الجانب هي تلك التي تتحدث عن انسحاب أمنية لأهداف تدعم أمن اسرائيل وتسمح لها بادارة الصراع مع الفلسطينيين بشكل مريح، وهي افكار لا تدعو الى ترسيم للحدود مع الدولة الفلسطينية وانما الى اعادة تموضع لقوات الجيش الاسرائيلي والابقاء على صراع الحدود قائما مع الطرف الفلسطيني. كما أن هذا النوع من الانسحابات يختلف حجمه وطريقة تنفيذه وتطبيقه على الارض حسب مواقف الشخصية أو الجهة التي تطرحه، فكلما اقتربنا أكثر من اليمين كلما كان الانسحاب حذرا ويحاول التعرض لاقل عدد من المستوطنات.
ويعتبر نفتالي بينت، زعيم حزب "البيت اليهودي" وأحد الشركاء الرئيسيين في ائتلاف نتنياهو، من ابرز الشخصيات التي تدعو الى القيام بخطوات احادية الجانب مختلفة عن انسحابات احادية الجانب، فالخطوات التي يؤمن بها بينت هي اعلان اسرائيل ضمها لكتل استيطانية ضخمة في الضفة وفرض القانون الاسرائيلي عليها كجوش عتصيون وبيتار عليت والعديد من الكتل الاستيطانية الضخمة في جنوب وشمال الضفة الغربية. واطلق بينت في أكثر من مناسبة خلال شهر نيسان الماضي دعوات للقيام بخطوات مماثلة.
الا أن هناك بعض الجهات داخل الحكومة الاسرائيلية تتمسك بموقفها الذي اعلنته منذ سنوات، ومن أبرز هذه الجهات وزير الدفاع الاسرائيلي موشيه يعلون الذي وصف بالعام 2002 عمليات الانسحاب احادية الجانب بأنها خضوع للارهاب الفلسطيني. وكان يعلون انتقد أيضا الخطة التي طرحها وزير الدفاع السابق ايهود باراك بالعام 2012 والتي تحدثت عن خطوات احادية الجانب مع الفلسطينيين.
لكن الدوائر السياسية المراقبة تقول أن هناك تيارات قوية في اليمين واليسار تدعم القيام بخطوات احادية الجانب في ضوء فشل جهود كيري لاطلاق عملية السلام ويعتقدون أن كيري لن يتمكن من دفع الطرفين الاسرائيلي والفلسطيني نحو تفاهم مشترك بينهما، وهنا يجب أن نفرق بين خطوات احادية الجانب وبين انسحابات من طرف واحد. فالخطوات قد تتضمن ما يقترح بينت من ضم للمناطق ولا يشمل بالضرورة اخلاء و "اقتلاع" للمستوطنات. وهناك نقطة اخرى يجب أن لا تغيب عن محاولات تعريف النوايا الاسرائيلية فيما يتعلق بالخطوات الاحادية الجانب، فوزير الخارجية الاسرائيلي ، افيغدور ليبرمان، يتحدث عن شكل آخر من الخطوات الاحادية وهي التي تأخذ المسار السياسي والعمل الدبلوماسي بالتشابك مع العمل الاستخباري، وهذا المسار له شقان ، الاول، العمل على توفير الأجواء المناسبة لظهور بدائل فلسطينية للقيادة الحالية، وهذا لا يعني أن اسرائيل ستطلب من تلك القيادة وفي المرحلة الاولى لظهورها على السطح تقديم التنازلات لها، وانما ستسمح لها باطلاق التصريحات المعادية ومهاجمة اسرائيل "كلاميا" ومحاولة الظهور بمظهر عدم المتخلي عن الثوابت، لفترة انتقالية ينتهي خلالها هذا التيار من مرحلة "التمكين" في السلطة قبل أن يتم الانتقال الى الامور السياسية واغلاق الصفقات مع اسرائيل. أما المسار الثاني فيتضمن فتح "نافذة" أمام تدخل "دول عربية معتدلة" في تسوية ملف الصراع الاسرائيلي ـ الفلسطيني، وهنا تجمع الكثير من الدوائر في أكثر من عاصمة أن امر اشراك العرب في حل الصراع بين اسرائيل والفلسطينيين طرح في أكثر من مناسبة ولقاء مع جهات وعناصر رسمية في دول عربية معتدلة وبشكل خاص في الخليج وبالتحديد السعودية، سواء كان ذلك خلال لقاءات ثنائية اسرائيلية مع دول الاعتدال العربي أو من خلال افكار كانت تطفو أحيانا في لقاءات المسؤولين الامريكان مع نظرائهم في دول الخليج وبشكل خاص السعودية.