وهنا، في سياق البحث عن اجابات شافية على هذه التساؤلات، يبرز السؤال الأهم، المتعلق بموافقة حماس على البدء بخطوات المصالحة، وهي التي كانت حتى وقت قريب تماطل وتناور بشأنها.
دوائر سياسية ذكرت لـ (المنــار) أن الاجابة على هذا التساؤل يتطلب اولا، تناول الاوضاع التي تعيشها حماس في هذه المرحلة، فلهذه الأوضاع علاقة باتخاذ القرارات وبشكل أساس ما يتعلق منها بالمصالحة مع حركة فتح.
وترى هذه الدوائر أن الحركة تعيش ظروفا صعبة، تسببت بشح المال الذي كان يتدفق على خزائنها، فالحصار ما زال مفروضا، والانفاق لم تعد قائمة وموجودة، على الاقل غالبيتها، وهناك توتر العلاقات مع القاهرة والساحات المغلقة في وجه الحركة في ايران وسوريا، بعد أن أيدت ودعمت حماس عمليا عصابات الارهاب في سوريا.
هذه الأوضاع دفعت حركة حماس، للاستجابة الى الاشارات والمواقف التي بعث بها وطرحها الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وكانت هناك سلاسة واضحة في ردود فعل الحركة، وهذا بدأ واضحا في رد الحركة على تشكيل حكومة التوافق.
تقول الدوائر السياسية، أن حماس التي تلتزم بهدنة مع اسرائيل، وصفتها تل أبيب بالقوية والثابتة، وحرص الحركة على عدم انهيارها، تريد الخروج من دائرة الاغلاق والحصار، ولم يعد لديها من خيارات، الا أن تبدي الموافقات على ما تطرحه فتح. والبدء بخطوات المصالحة فيه فائدة للحركة، من خلالها، تعود الى البروز ثانية، خطوة على طريق فك الحصار، بأشكاله، وهي بحاجة أيضا الى ترتيب أوراقها وصفوفها، وضبط بيتها الداخلي، بعد سلسلة القرارات والمواقف الخاطئة التي اتخذتها اتجاه قضايا خطيرة وهامة شهدتها المنطقة، وهي مواقف جاءت على خلفية التزام الحركة بما تقرره جماعة الاخوان، وعندما سقط حكم الاخوان في مصر، وطال انتظارها لعودته، ودفعت بعناصر منها للتدخل في الشأن الداخلي المصري، أطبقت أشكال الحصار المختلفة عليها، وتناقصت الاموال التي كانت تجمعها عبر الانفاق وتجارتها الرائجة. فكان لا بد لها من اعادة صياغة بعض المواقف والتشبث بأمور تساعدها على تخفيف حدة الحصار الخانق، فلم تجد أمامها الا أن تصعد الى مركب حركة فتح تحاورا ومصالحة، على الاقل لترى ماذا سيحدث في المنطقة في المرحلة المقبلة، ودفعتها التطورات في مصر الى الاسراع في التلاقي مع فتح.
وتفيد هذه الدوائر أن خطوة التقارب التي اتخذتها حماس باتجاه حركة فنح، كانت مدروسة من حيث التوقيت والاهداف، فهي جاءت عشية اجراء الانتخابات الرئاسية في مصر، والامكانية الكبيرة جدا لفوز المشير عبد الفتاح السيسي، الذي يرى في ممارسات حماس في غزة خطرا على أمن مصر القومي، وبالتالي فوزه يعني أنه لن يسمح لحماس بمواصلة تدخلها في الشأن الداخلي المصري، وهذا بطبيعة الحال يتطلب خطوات ملموسة على الأرض، قد تصل الى حد ضربها في العمق، فكانت خطوة الحركة بالذهاب فورا الى المصالحة، لتلتقط الانفاس لترتيب بيتها، والعودة الى تصدر الاحداث.
لكن، السؤال الذي تطرحه الدوائر ذاتها، هو ، هل ستقدم حماس على القيام "بعمل أو أعمال ما" في الضفة الغربية لخلط الاوراق وقلب الطاولة، تستفيد منه اسرائيل، فتشعل "ربيعا" ارهابيا تدميريا في ساحة ما زالت متماسكة رغم الاحتلال وسياسته وخروج أدواته على ارادة الشعب؟!
وهنا، تتساءل الدوائر ، هل تعي السلطة الفلسطينية ذلك، وهل اتخذت ما يمكن وصفها بالخطوات الوقائية، ثم، هل تريد الحركة التي باتت ترسم خططها وتصاغ مواقفها من الدوحة أن تلج باب التفاوض مع اسرائيل، أم أن ما قامت به هي فترة انتظار لأمور تراها الحركة بأنها قادمة، لها علاقة بتحركات قطرية اخوانية، خاصة وأن كل المصادر تؤكد أن سياسة حركة حماس تصاغ وترسم في مشيخة قطر وباشراف القطريين.