باتت الأزمة السورية أكثر أزمات الشرق الأوسط تأزماً، فمنذ عام 2011 تشهد الدولة السورية معارك طاحنة، خلفت مئات الآلاف من القتلى والمصابين، وملايين النازحين في مشهد مأساوي صعب، بين هذا وذاك، يبدو أن مبادرة روسيا "موسكو1" للحوار السوري - السوري بين الطرفين والمقرر له نهاية الشهر الجاري سيكون لها دور في لم الشتات ووقف المعارك المسلحة، وإنقاذ ما تبقى من الدولة السورية، فالنظام السوري رغم إعلانه قبول مبادرة روسيا القائمة في الأساس على حل سياسي سلمي يرمي إلى رأب الصدع ووقف ألة القتل والدمار، نجد المعارضة السورية، منقسمة حول هذا الحوار، فالإئتلاف السوري المعارض أعلن عدم قبوله تلك المشاورات، في حين يوافق بعض أخر في صفوف المعارضة من خارج الإئتلاف على المبادرة ويعتبرها طريقاً صحيحاً لحل الأزمة سياسياً.
اليوم تتواصل المشاورات بين سورية وروسيا حول عقد لقاء تمهيدي تشاوري في موسكو بين النظام السوري ورموز من المعارضة يهدف إلى التوافق على عقد مؤتمر للحوار بين السوريين أنفسهم دون أي تدخل خارجي، وقد أكدت سورية إستعدادها للمشاركة في هذا اللقاء إنطلاقاً من حرصها على تلبية تطلعات السوريين لإيجاد مخرج لهذه الأزمة مع تأكيدها على إستمرارها بمكافحة الإرهاب أينما كان، توازياً مع تحقيق المصالحات المحلية التي أكدت نجاحها في أكثر من منطقة، ومن هذا المنطلق عبرت سورية عن حرصها وإستعدادها للحوار مع من يؤمن بوحدة سورية أرضاً وشعباً وسيادتها وقرارها المستقل وبما يخدم إرادة الشعب السوري ويلبي تطلعاته في تحقيق الأمن والإستقرار وحقناً لدماء السوريين كافة.
وتأتي هذه المشاورات في سياق جهود جارية لحلحلة الأزمة في الوقت الذي تؤكد فيه سورية بأنها على إستعداد للحل والإستمرار في الحوار, وكانت تلك التأكيدات ما أعلن مؤخراً عندما قام المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا بزيارة إلى سورية في أيلول الماضي عندما التقى خلالها بالرئيس بشار الأسد ووزير خارجيته، حيث أبدت سورية حرصها على نجاح مهمة المبعوث الدولي على أساس مكافحة الإرهاب الذي يدمي السوريين ويدمر ممتلكاتهم ومنجزاتهم وإرثهم الحضاري ويشكل تهديداً جدياً للأمن والإستقرار والسلم الإقليمي والدولي.
في سياق متصل تصب المتغيرات السريعة في المنطقة العربية في مصلحة النظام في دمشق من القاهرة الى تونس الى اليمن الى الكويت والسعودية التي وصل حريق الدولة الإسلامية الى مناطقها في عرعر وحتى لبنان الذي يعيش هذه الأيام نقاشاً حكومياً جدياً لإعادة التنسيق مع دمشق لحل مشكلة اللاجئين وأمن الحدود والمختطفين العسكريين وملفات اقتصادية متعددة، لذلك بدأت أغلب الدول الغربية والعربية بتحفيز سياسية الحوار بدل سياسية السلاح في سورية وهذا ناتج عن قناعة تلك القيادات بأن خطوتها الدموية تجاه سورية قد فشلت وإن صناعتها للإرهاب قد كشفت، لذلك ليس أمامهم إلا الخضوع الى الإرادة السورية والمعارضة السلمية بأن تحديد مصيرها من خلال الحوار فقط، وبالتالي فإن بعض الدول التي كانت سابقاً شريكاً أساسياً بالحرب على الدولة السورية بدأت بالإستدارة والتحول بمواقفها وقامت بمراجعة شاملة لرؤيتها المستقبلية لهذه الحرب المفروضة على الدولة السورية، فمعظم الدول الخليجية يدق الخطر أركانها وأمريكا تلاشت أحلامها في تسيد المنطقة وتركيا الإتهامات ما تزال تلاحقها بدعم داعش وفتح حدودها اليهم حتى إن رئيس الوزراء التركي داود اغلو صرح بأن تركيا سوف تغلق الحدود حتى تنهي هذه الإتهامات، وفي هذا السياق تم التأكيد على أهمية الضغط على الدول التي توفر الدعم المالي والسياسي والعسكري واللوجيستي للتنظيمات الإرهابية للتوقف عن ذلك إلتزاماً بقرار مجلس الأمن رقم "2170" الذي أصبح ملزماً لجميع الدول والذي يتناقض مع إدعاءاتها بالعمل للتوصل إلى حل سياسي للأزمة الراهنة في سورية.
في إطار ذلك ما زالت الدولة السورية بكل أركانها ورغم حرب الإستنزاف التي تستهدفها، قادرة أن تبرهن للجميع إنها حتى الآن مازالت قادرة على الصمود، والدليل على ذلك الإنتصارات التي يحققها الجيش العربي السوري، والتي إنعكست مؤخرآ بظهور حالة واسعة من التشرذم لقوى المعارضة المسلحة مما إنعكس على تشظيها، ومن هنا نقرأ حالة التشرذم لهذه للقوى المسلحة، والتي يقابلها حالة صمود وصعود دراماتيكي لقوة الجيش العربي السوري على الأرض، فهذا التطور الملفت إن إستمر من شأنه أن يضعف الجبهة الدولية الساعية الى إسقاط الدولة السورية .
وأنا على يقين بأن الحوار السياسي أصبح اليوم هو المطلب الوحيد في الأزمة السورية، فروسيا تسعى الى جمع شمل الأقطاب السورية من خلال عقد جلسة حوارية مع المعارضة والحكومة السورية، وبنفس الوقت هناك الحراك المصري تجاه القضية السورية، هذا مما سيوسع من دائرة الحوار وربما سيغير المواقف الرافضة لهذا الحوار وهنا سيكون للحوار جبهتين روسية ومصرية فربما تلتف كل منها حول قضايا معنية حتى تلتقي في جبهة واحدة يخرج منها حل سياسي ينهي الصراع السوري وبنفس الوقت يوحد جميع الأطراف لمحاربة الإرهاب في سورية.
وأخيراً أختم مقالتي بالقول إن سورية تحتاج الى سواعد أبنائها خصوصاً في هذا الوقت الذي نرى العالم من حولنا ينتشر فيه الصراع والقتل والخراب والتدمير، لذلك يجب على جميع الأطراف المتنازعة في سورية الجلوس على طاولة المفاوضات لإيجاد حل سلمي للأزمة، ولا بد من إنهاء الأزمة بالتشاور والتعاون مع الأطراف المعنية كافة، و لا بد من دعوة كافة أطراف النزاع ليس على المستوى الداخلي فقط، بل على المستوى الإقليمي، خصوصاً وأن دول كبرى مثل إيران والسعودية متحكمان بشكل رئيسي في الأزمة ووجودهم وموافقتهم على المبادرة شرط لنجاحها، لإيجاد أرض مشتركة يلتقون عليها في إدارة أزماتهم والحد منها وإيجاد المخارج المناسبة لها، ويبقى أمام الغرب وحلفائه فرصة أخيرة قد يلجأ إليها لتحقيق مكسب إيجابي يتمثل في إمكانية تغيير سياسته في المنطقة العربية من خلال إيجاد قنوات إتصال مع النظام السوري والتعاون للقضاء على داعش ومساعدة دمشق في إعادة ترميم ما دمرته الحرب وترميم العلاقة بين دول المنطقة العربية.
*صحفي وكاتب أكاديمي
Khaym1979@yahoo.com