2025-05-08 10:54 م

القلمون وأمن دمشق - معادلة الجولان والجليل

2015-06-05
دمشق/ بعدما تحوّلت القلمون ذات الموقع الاستراتيجي إلى شوكة في خاصرة العاصمة السورية، ومصدراً لتهديد لبنان وأمن المقاومة، كان القرار بالقضاء على المسلحين في هذه المنطقة بأسرع وقت ممكن.

 ومع مرور شهر على انطلاق المعارك، فإن ما حصل إنجاز عسكري مهم جداً على مساحة كبيرة جداً في القلمون بأقصر وقت وأقل خسائر، وتحقّق عدد من الاهداف. هكذا يقيّم الخبراء العسكريون المعركة، لكنهم يؤكدون أنه يجب أن تستكمل في منطقتي جرود عرسال والزبداني، ويتخوفون من أن انطلاق معركة الزبداني سيؤدّي إلى تسلل المسلحين إلى جرود عرسال وانضمامهم إلى المسلحين الموجودين فيها، وإما التوجّه جنوباً في المنطقة الممتدة من دير العشائر إلى منطقة البقاع الغربي.

إنجازات القلمون أعادت عرسال وجرودها إلى الواجهة الامنية مجدداً، وسط الحديث عن معركة قادمة ستشهدها الجرود والبلدة، فيما يبقى احتمال أن يشن المسلحون هجوماً على عرسال ومواقع الجيش احتمالاً كبيراً، مع وجود مخيم النازحين السوريين الذي يضمّ 40 ألف نازحٍ منهم ألف مقاتل محتمل.

لطالما شكلت منطقة القلمون رهانات داخلية وخارجية أبرزها رهانات «إسرائيلية». وبالتالي، ستترتب على سقوط القلمون في قبضة المقاومة تداعيات استراتيجية على مجمل الصراع في المنطقة.

القلق «الإسرائيلي» يتمحور حول ما يمكن أن يحصل في الايام المقبلة على مستوى المواجهة مع المقاومة. بمعنى تكرار تجربة القلمون على مستوى الجليل، هذا من جهة. ومن جهة ثانية، يتمثل القلق «الاسرائيلي» بأن تكون المرحلة المقبلة ـ إذا تمت السيطرة على المناطق الحدودية بين سورية ولبنان ـ متمثلة في توجيه جهد المقاومة العسكري وجهد الجيش السوري لإعادة السيطرة على الحدود الجنوبية، وبالتالي تكون خطوة على طريق فتح جبهة الجولان. لذلك، وبحسب محللين، تخشى «إسرائيل» أن يستعيد الجيش السوري المبادرة في هذه المنطقة، وينسف ما كان يخطط له الاحتلال من بناء منظومة أمنية على «حدوده»، عبر هذه الجماعات المكلفة بالحؤول دون إنشاء حركة مقاومة شعبية في الجولان.

انطلاق المعركة

ليل الخامس من أيار الحالي، أعلن أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله أنه «عندما تبدأ معركة القلمون ستتكلم عن نفسها وستفرض نفسها على الإعلام ومكانها وزمانها لن نعلن عنهما».

كلام نصر الله كان بمثابة ساعة الصفر لانطلاق المعركة، ومنذ ذلك الحين والاشتباكات العنيفة متواصلة بين حزب الله والجيش والسوري من جهة، ومسلحي «جبهة النصرة» من جهة أخرى، على طول خط السلسلة الشرقية من جبال لبنان.

تدمير غرف العمليات

بحسب المعلومات حتى الآن، فقد حقّق الجيش السوري وحزب الله إنجازات كبيرة في المعركة، لا تقتصر فقط على المساحات الجغرافية، إنما تتعدّاها إلى ما حوته هذه الجغرافيا. فقد دُمّرت مقرات الإرهابيين وغرف عملياتهم، وسيطرت المقاومة على المرتفعات والتلال كافة، بما فيها تلال استراتيجية يزيد ارتفاعها على 1800 متر، مثل قرنة النحلة، قرنة عبد الحق، جبل الباروح وتلة موسى وصدر البستان وغيرها، وتزامن ذلك مع السيطرة الكاملة على الكهوف والمغاور والمعابر كافة التي وقعت ضمن نطاق العملية العسكرية الجغرافي كـ: الصهريج، الدار السداد، الحفرة، البيدر، الدعسة، الفتلة وغيرها.

على رغم هذه الانجازات التي تحققت وفي وقت قصير في القياس العسكري كما يقول الخبراء العسكريون، هل يمكن القول إن معركة القلمون انتهت؟ وفي أي مرحلة نحن الآن؟ وما هي تداعياتها العسكرية والاستراتيجية على لبنان وسورية والمنطقة؟ وكيف تقرأ «إسرائيل» ما يجري على هذه الجبهة؟ وماذا عن معركة عرسال وجرودها؟

أسئلة عدّة تُطرح بموازاة هذه المعركة التي تشهد توالي فصول إنجازات المقاومة والجيش السوري، وصولاً إلى الحسم القريب.

القلمون في قبضة المقاومة

في عيد المقاومة والتحرير الخامس عشر، أعلن السيد نصر الله في خطابه أن القلمون صارت خارج سيطرة المسلحين بالكامل، باستثناء عرسال وجرودها.

الخبير العسكري والاستراتيجي العميد هشام جابر رأى في حديث لـ«البناء» أن معركة القلمون لم تنته بعد، وكان من الضروري أن تفتح ولا يمكن تأجيلها لأن النظام في سورية لديه أولويات وهي العاصمة دمشق والساحل السوري والطريق بينهما. وبعد الانتكاسة التي حصلت في إدلب وجسر الشغور، وبعدما أصبحت المجموعات المسلحة تحت مسمى «جيش الفتح» في جسر الشغور تهدّد في أي وقت الوصول إلى الساحل السوري، وبعدما استمرت الاعتداءات على العاصمة بالقصف المدفعي من الغوطة الشرقية، ولأن الطريق بين دمشق والساحل السوري مؤمّنة عن طريق المنطقة الوسطى حيث يتمركز العناصر المسلحون، تحوّلت القلمون ذات الموقع الاستراتيجي إلى شوكة في خاصرة العاصمة السورية يجب نزعها.

وأضاف الدكتور جابر: «لم تستكمل معركة القلمون التي بدأت منذ سنتين خلال حرب يبرود عام 2014، حيث حرّرت بعض القرى والمدن من قارة والنبك ودير عطية ويبرود وصولاً إلى صيدنايا، وبقيت منطقة الزبداني حيث المجموعات المسلحة محاصرة، ويمكن أن تهدد في أي وقت طريق بيروت ـ دمشق، وهي الطريق الدولية الاساسية والوحيدة المتبقية بين وسورية والدول المجاورة، بعدما أقفلت المعابر مع الأردن وتركيا، وسقط المعبر الأخير مع العراق».

وأشار إلى أنه حتى الساعة حُقّق إنجاز عسكري مهم جداً على مساحة كبيرة جداً في القلمون في أقصر وقت وأقل خسائر، لافتاً إلى أنّ الجيش السوري قاتل في هذه المعركة على الارض التي تسمح بتواجد دباباته، وعلى رغم ذلك، كان الجهد الأكبر للمقاومة اللبنانية.

وشرح جابر أهمية هذه المعركة، قائلاً: «أهميتها وتداعياتها من الجهة السورية إيجابية حتماً، لإنه إذا استكملت المعركة في الزبداني تنزع الشوكة من خاصرة النظام في سورية وتتنفس العاصمة الصعداء، وتسمح للجيش السوري بالتفرّغ لمناطق أخرى. أما من الجانب اللبناني، فحتماً ستكون إيجابية إذا استكملت المعركة، وإذا حاصر الجيش اللبناني وحزب الله المجموعات المسلحة في الاراضي اللبنانية».

مصير المسلّحين… والخاصرة الرخوة

تتحدث المعلومات الأمنية لـ«البناء» عن خطر يمتد من الزبداني إلى البقاع الغربي باتجاه مناطق القرعون، المرج، قب الياس، شبعا، جبل الشيخ، لا سيما مخيمات النازحين السوريين في البقاع الغربي. وبحسب المعلومات، فإن محاولات تجري لإقامة مخيم للنازحين السوريين في كفريا. كما أن عميد «الكتلة الوطنية» كارلوس إده وافق على ذلك، إلا أن النائب وليد جنبلاط تدخل لمنع ذلك بسبب خوفه من الحساسيات في المنطقة، لأنّ كفريا طريق أساسية إلى الشوف. كما نقلت معلومات عن تصنيع محلي للمتفجرات يتم في مخيم المرج في البقاع.

وعلّق جابر على هذه المعلومات موضحاً أنه في حال أُعلِنت معركة الزبداني، فهناك حلّان: إما أن يتسلل المسلحون من الزبداني عبر بعض الجرود والأودية إلى الطفيل ومنها إلى جرود عرسال، وينضموا إلى المسلحين الموجودين فيها. أو التوجّه جنوباً في المنطقة الممتدة من دير العشائر إلى منطقة البقاع الغربي وهذا خطير جداً. أولاً يحققون تماساً مع مزارع شبعا ومع مجموعات «جبهة النصرة» الموجودة في منطقة القنيطرة، كما يشكلون خطراً على لبنان عبر خواصر ضعيفة في البقاع الغربي وراشيا الوادي، لأن حزب الله غير موجود في هذه القرى الممتدة يسار طريق المصنع إلى الحدود السورية، نظراً إلى الحساسية الطائفية والمذهبية.

القلمون وأمن دمشق

الخبير العسكري العميد المتقاعد نزار عبد القادر لفت في حديث لـ«البناء» إلى أن الكلام عن سيطرة كاملة على القلمون تنقصه الدقة والمهنية، فصحيح أن حزب الله سيطر على بعض المفاتيح على الأرض، ولكن القلمون منطقة تمتد على طول 100 كيلومتر، وعرض حوالى 12 كيلومتراً، والمعركة في بدايتها. فعندما تحتلّ جزءاً من منطقة شاسعة تشكّل خُمس مساحة لبنان، لا بدّ أن تترك فيها بعض القوى، وإلا سيلتفّ عليها المسلحون نظراً إلى طبيعة الارض.

وأوضح أن تنظيف الجرود يحتاج إلى قوى من المشاة المدرّبين على القتال في الجبال، ربما أربعة ألوية، ما يعني 10 آلاف مقاتل. «ولا أعتقد ان حزب الله والجيش السوري لديهما هذا الحجم من القوات، فضلاً عن الحاجة إلى نوعٍ خاص من السلاح، والذي يجب نقله إلى القمم العالية التي يبلغ ارتفاع بعضها 2500 متر».

لكن عبد القادر أكد في الوقت نفسه أن السيطرة على التلال والنقاط المرتفعة يسمح بجمع المعلومات عن تحركات المسلحين ورصدهم، بحيث تُمنع أي مفاجأة للقوات السورية وحزب الله، مشيراً إلى أن العملية العسكرية في القلمون دفعت المجموعات المسلحة إلى الفرار أمام الهجوم، بحيث أمّنت العاصمة دمشق لوجود مخاطر تترتب على الطريق الحيوية الدولية التي تصل دمشق بحمص، وصولاً إلى الساحل السوري، وهذا خط إمداد الجيش السوري في الشمال والجنوب.

وأكد أنّ المناطق التي بدأت فيها العملية تلك الواقعة في البقاع الاوسط لا البقاع الشمالي، وذلك للحؤول دون تسلل «النصرة» نحو الجنوب الغربي من منطقة القلمون، والاتصال بالزبداني. ولو حصل ذلك لقامت المجموعات الملسحة بقطع طريق المصنع ـ جديدة يابوس، وهذه الطريق حيوية بالنسبة إلى حزب الله.
المصدر: سوريا الان