انتظر الرئيس عباس أسبوعين من الهبّة الشعبية، خلالهما لم يتحرك العرب، ولا المجتمع الدولي، ولم تخرج أصوات من داخل المجتمع الاسرائيلي تطالب بنيامين نتنياهو بالتوقف عن جرائمه، فليس هناك معسكرات سياسية مهما كانت تسمياتها رافضة لعمليات الاعدام الاجرامية ضد الشباب في الضفة والقدس وغزة، فالهبّة التي اندلعت من القدس ردا على السياسة الاجرامية الاحتلالية، ووجهت بسياسة ممنهجة من القمع والقتل. وصمت الأحزاب المعارضة لنتنياهو في الحكم، يعني ببساطة أنها متمسكة بالقدس وعدم التنازل عن القدس الشرقية المحتلة وخطاب عباس يأتي بعد سلسلة طويلة من التهديدات والضغوط اقليمية ودولية، ومن اسرائيل نفسها، دون أن تتضمن حلولا يمكن أن تكون دافعا لوقف هذه الهبّة، فوجد الرئيس الفلسطيني نفسه، أمام خيار واحد فقط، وهو اسناد الهبّة الجماهيرية المشروعة، فجاء خطابه ليكسر الدائرة الضيقة التي وجد نفسه فيها.
من هنا، يمكن أن نصف خطاب الرئيس ، بالدفعة القوية للهبّة الشعبية، مبقيا الأبواب مفتوحة أمام أية حلول جادة، توقف سياسة الاجرام، وتفتح المجال أمام تحركات سياسية حقيقية، يسعى اليها المجتمع الدولي، الذي لم يتمكن حتى الآن من وضع حدٍ للاحتلال الاسرائيلي مما شكل حافزا وتشجيعا لاسرائيل لمواصلة انتهاكاتها وجرائمها البشعة.
لقد ظن الكثيرون بأن تأخر الرئيس عباس عن توجيه كلمته الى شعبه، رفضا للهبة الجماهيرية واستسلاما أمام ضغوط هائلة انصبت عليه، فجاءت كلمة عباس، الرد على ذلك، بعد أن أدرك بأن الاحتلال وقوى عديدة تدفع بالهبّة الجماهيرية لتكون ضد القيادة الفلسطينية، كذلك أدرك الرئيس ومعه الكثير من الدول وجهات التأثير أن الجيل الشاب ماضٍ في هبته، رافضا "النصائح الفصائلية" وما يجري "تحت الطاولة" من تحركات تأخذ أشكالا عدة، لـ "تنفيس" انتفاضة الشعب، التي اندلعت من القدس ردا على القمع والتهميش، ووجهت رسائل حازمة واضحة في كل الاتجاهات ولجميع الجهات.
يقول مراقبون لـ (المنــار) أن خطاب الرئيس الفلسطيني للشعب، هو انحياز الى الهبة الشعبية، التي أثبتت عجز "الفصائل" ، ورفض الجيل الشاب للتنظير، من هذا الجانب أو ذاك.
والآن، يضيف المراقبون، أن على الرئيس عباس التحرك لاستثمار سليم مدروس لهذه الهبّة الجماهيرية، ويجعل منها الرد على الضغوط والتهديدات ، وسياسة القمع، والرئيس الفلسطيني، لا يخفي رغبته في السلام والتحركات السياسية، لكن، ليست على طريقة العقود الماضية، هو يريد ان يقول ، أن نتنياهو كاذب واذا كان صادقا في تطلعاته للسلام، فليأت على قاعدة حل الدولتين وانهاء الاحتلال، وأن يلتقط الفرصة لبناء سلام عادل وشامل، وعلى هذه القاعدة، يطلب عباس من المجتمع الدولي التحرك لانهاء الاحتلال لا مباركته والصمت عليه.
إن هبّة الشباب، فتحت أفاقا جديدة للقيادة الفلسطينية، ومنحتها مرتكزا هاما تستند اليه في تحركاتها ومواقفها، وسلاحا قويا تواجه فيه تلك الجهات والدول التي تضيّق الخناق على الرئيس الفلسطيني.
ويفيد المراقبون، أنه أمام هذا الموقف والمرحلة الجديدة التي دشنها عباس بخطابه الداعم للهبّة الجماهيرية، فان امام الرئيس الفلسطيني خطوات لا بدّ من اتخاذها، لتوفير فرص نجاح أكيدة، في مقدمتها توسيع دائرة التشاور، وترتيب البيت الداخلي، والتوقف عن سياسة تجاهل وتهميش القدس، وولوج سياسة وأبواب التغيير، للوقوف على نبض الشارع، فمن حق الرئيس عباس على شعبه مصارحته، ووضع الحقائق أمامه، ومن حق الشعب على الرئيس الفلسطيني، أن يسمع لشعبه.
* ملاحظة: من يريد أن يدرك "ما بين السطور" في خطاب الرئيس عباس، فعليه التمعّن في الفقرة الأخيرة التي وردت في الخطاب.