فالفصائل الرئيسة في الساحة الفلسطينية غير معنية، بهبّات شعبية، فمساراتها وسياساتها تتجه الى اتصالات مباشرة وعبر قنوات عديدة مع اسرائيل، ومع أن هذه المسارات فشلت مرات عديدة، الا أن الفصائل الرئيسة واصلت ذلك، وبالتالي، هي تعيش حرجا شديدا، فمن جهة ، تخشى إغضاب الطرف الثاني في الاتصالات، ومن جهة ثانية، تخشى فقدان سيطرتها وحكمها في غزة ورام الله، اذا عادت الهبّة الشعبية وبقيت متفرجة وبالنسبة لها، فان كلا الخيارين أحلاهما مر، ومع تواصل الهبّة الشعبية، اضطرت الفصائل الرئيسة، الى استخدام أساليب التنظير والتحليل، لكن، دون فعل حقيقي على الأرض، فقد أدركت أن الهبّة لم تنطفىء، فكان لا بد لها من اللحاق، حاملة معها، وهم امكانية اخماد الهبّة الشعبية من داخلها، وهذا لم ينجح.
جيل الانتفاضة الثالثة، يثبت في كل يوم قدرته على التحصين والاستمرار في هبّته ضد الارهاب الاسرائيلي، وفي ذات الوقت يدرك، أن غزة ورام الله لا ترغبان في هذه الهبّة، مع أنها قطعت الطريق على اقتتال داخلي، وفتحت الأبواب مشرعة على تحقيق مصالحة حقيقية، اذا كانت نوايا المتصارعين سليمة. والمفارقة الغريبة هنا، أن الفصيلين المتصارعين يلتقيان على ضرورة اخماد الهبّة الشعبية حفاظا على مصالحهما، لكن، هذه الهبّة تجاوزت محاذير وكائن ودسائس الجميع، وكشفت عجز الجانبين عن معرفة حقيقة ما يدور في الشارع الفلسطيني، حيث رسائلهما الى كل الطواقم وطوال الوقت بأن هذا الشارع هادىء، ولا قدرة لديه على اشعال هبّة شعبية.
والملاحظ أيضا ، أن هذا الجيل الشاب يقود نفسه، ويصد أية محاولات لقيادته من جهات أخرى، هذه الجهات تخشى الوقوف العلني المباشر ضد جيل الانتفاضة الثالثة، ووجدت نفسها، مضطرة للوقوف الى جانب هذه الهبّة ولو شكلا، وهي الآن بين المطرقة والسندان، مطرقة العجز وعدم اللحاق الجدي بانتفاضة الشباب، وسندان الضغوط والتهديدات والاتهامات الاسرائيلية، وما حول المطرقة والسندان، قلق متزايد من امكانية فقدان الحكم.
ويثبت الجيل الشاب في الاراضي الفلسطينية صدقيته وتفانيه وقدرته على مقاومة الارهاب، ونجاحه في قيادة نفسه، رافضا كل صور وأشكال الاحتواء وركوب الموجة، وقبول خيارات عرجاء، وحتى لو كانت هناك تحركات سياسية، لاستثمار ما يجري، أو رضوخ الاحتلال ومعاونيه واعادة الحسابات فان هذا الجيل سيكون المقرر رفضا أو قبولا لمطالب تطرح!!