والحقيقة الساطعة في مواجهة كل هذه الأطراف، بل والرد عليها، هي أن جيل الانتفاضة الثالثة، يواصل هبته ونضالاته، ويرتقي بها يوما بعد يوم، وما يزال فاتحا الباب لمن يريد أن يلتحق بها من الفصائل، وللسلطة اذا أرادت تبني هذه الهبّة، أو اصدار بيان واتخاذ موقف صارم حازم في مواجهة الهمجية الاسرائيلية، ولو تمثل ذلك، في الدعوة الى مظاهرات سلمية على امتداد الوطن، ليرى العالم الدعم الشعبي والرسمي لجيل الانتفاضة الثالثة، فالمجتمع الدولي يعتقد بل يجزم بأن هبّة القدس لا تحظى بدعم السلطة والفصائل، لذلك، هي تلوذ بالصمت.
في الساحة الفلسطينية انشغال بالمراكز والمواقع، وتراشق الاتهامات حول المصالحة، والتعديلات الوزارية، والحديث عن "الحلف الاسلامي" لمكافحة الارهاب الذي تتولى أموره المملكة الوهابية السعودية راعية الارهاب والتخريب المرتمية في أحضان تل أبيب وواشنطن، وتتعامل مع العديد من الدول والقيادات كـ "شحاذين" على أبواب خزائن مال النفط المستخدم في جلب الشرور والويلات والكوارث وسياسة الانتقام والحقد وشهوة الموت.
جيل الانتفاضة الثالثة، يواصل تأطير نفسه، وهو سيكون قادرا على فرز قيادات يكون لها دورها في صنع القرار والمستقبل، وهذا ما يقلق قيادات الفصائل وغيرها، وهذا الجيل يعلم ويدرك تفاصيل ما يدور في الكواليس والغرف المغلقة وبين العواصم والجهات المختلفة، وبينها وبين اسرائيل بهدف احتواء الهبّة واجهاضها، هذه الجهات نسيت أن هبّة القدس وسواعد شبابها ستدفع باتجاه تطورات وانعكاسات تصب في صالح الشعب الفلسطيني، وسوف تخلط الأوراق لرسم سياسات ومواقف ومعادلات جديدة، تغلق الطريق والأبواب أمام الكثير من أجندات الجهات والقوى المتقاعسة والمتفرجة، فلا يعقل أن ما تشهده الساحة الفلسطينية في واد ودوائر صنع القرار في الفصائل والسلطة في واد آخر... والشارع مقبل على الحكم الفصل، وبالطبع سيكون في صالح جيل الانتفاضة الثالثة.
ان المشاهد المروعة التي يتسبب بها الاحتلال الاسرائيلي، من همجية واعدامات ميدانية وهدم بيوت واحتجاز جثامين وسرقة أعضاء بشرية، والتركيز على احداث اعاقات في صفوف أبناء هبّة القدس على امتداد الوطن.. كافية لحمل الفصائل والسلطة على تغيير سياساتها ومواقفها، لأن استمرار هذه السياسات من شأنه تقويض أركان كل الجهات المعيقة و "البانجة" والمرتعشة.
أمام السلطة الفلسطينية وهي الجهة الرسمية في هذا الوطن، والهبّة تتجه لدخول شهرها الرابع، ان تتخذ موقفا صريحا ، أيا كان اتجاهه ومضمونه ونتائجه.. انهما خياران لا ثالث لهما، إما التبني الحقيقي الجاد وبنوايا سليمة لهذه الهبّة المستمرة والمتطورة، واما أن تصدر بيانا لـ "توفير" هذه الدماء لمكاسب مضمونة، وليس لمجرد الدعاية والاستهلاك وطريقا للتشيث بالكراسي والمواقع، فالمواقف الضبابية لم تعد قادرة على تغطية الحقائق، والصمت عليها جماهيريا لمن يدرك الأمور، ويستخلص العبر ويتعظ من تجارب التاريخ لا يعني الموافقة والاحتضان، ومخطىء من يستغفل الشارع، ويقلل من وعي جماهير تكتوي بنيران القمع الاحتلال والهروب غير المبرر، وعدم جرأة وصمت دوائر صنع القرار في الفصائل وغيرها، مع الأخذ بعين الاعتبار هنا، أن كل الذرائع والتبريرات والتفسيرات لمواقف هشة، لا تقنع أصغر طفل فلسطين، يشاهد أخاه وأخته ورفيق دربه ينزفون بفعل الاعدامات البربرية.
انها كلمة حق، بعيدا عن أية مصالح شخصية، نطرحها في هذا الزمن الصعب، الذي يشهد تراجعا وخيبات أمل وانحدار وسقوط في الساحات المختلفة، الفلسطينية والاقليمية والدولة، والنور المنبعث من هبّة القدس، لن ينطفىء، وان كره الكافرون والمنافقون والخائفون والمراهنون على "عطايا" الاحتلال" هدنة طويلة الأمد، أو استئناف لمفاوضات ثبت عقمها، أو ارتهانا لسياسات غربية توضع في واشنطن والرياض وتل أبيب والدوحة والرياض وغيرها، ومهما تواصلت "تعاويذ" الجماعة التي صدعت الرؤوس.